قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر والنهي.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)) [المائدة:78]، إلى قوله: {فَاسِقُونَ} [المائدة:81]، ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الأمر والنهي.
والمقصود بالأمر والنهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد أورد أبو داود هذا الباب في كتاب الفتن والملاحم وذلك لأن من تلك الأمور التي هي فتن وملاحم أمور محرمة ومنكرة، فالفتن والنهي عنها والحث على الابتعاد منها هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فلعل أبا داود رحمه الله أورده من أجل هذه الصلة التي بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتن والملاحم التي تجري والتي يكون المسلم فيها بعيداً عنها ولا يشارك فيها، وأن يكون حذراً ويقظاً وبعيداً عنها، فلعله من أجل ذلك أورد أبو داود هذا الترجمة تحت هذا الكتاب.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الواحد منهم كان يلقى أخاه، فيقول له -وقد ارتكب معصية-: يا هذا! اتق الله، ثم بعد ذلك لا يلبث حتى يلقاه من الغد، فيكون أكليه وشريبه وجليسه)، والأكيل والشريب والجليس بمعنى أنه يؤاكله ويجالسه ويشاربه، وينبسط معه، ولا يحصل منه شيء من التأثر، ولا يرى في وجهه شيئاً من التغير بسبب ما حصل منه من المنكر.
ثم تلا قول الله عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].
فبين أن هذا من أسباب ما حصل لبني إسرائيل من اللعن، وأنه كان بسبب تخليهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)].
الأطر الإلزام والمقصود به: إلزامه بالحق.
قوله: (ولتقصرنه) أي: تحبسونه عليه بحيث لا يتعداه ولا يتجاوزه إلى ما هو منكر ومحرم، بل يكون واقفاً عند حدود ما هو معروف، وبعيداً عما هو منكر.