قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب خروج الدجال.
حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش قال: (اجتمع حذيفة وأبو مسعود رضي الله عنهما فقال حذيفة: لأنا بما مع الدجال أعلم منه إن معه بحراً من ماء ونهراً من نار، فالذي ترون أنه نار ماء، والذي ترون أنه ماء نار، فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يرى أنه نار فإنه سيجده ماء.
قال أبو مسعود البدري: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول)].
أورد أبو داود باب خروج الدجال، والدجال هو رجل من بني آدم، وقيل له: الدجال مبالغة في وصفه بالدجل والكذب والتمويه؛ ولهذا يقال عن الشخص الذي يعرف بالكذب: دجال؛ مبالغة في دجله وكذبه، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ويحصل به فتنة عظيمة هي من أعظم الفتن، ويسير في الدنيا بسرعة، ويكون معه أمور خارقة للعادة فيفتن بها الناس، فيعصم الله تعالى من يعصم، ويفتن من يفتن بذلك الرجل، وقد تواترت الأحاديث فيه في الصحيحين وفي غيرهما، وهي تدل على أنه لا بد أن يقع ذلك، ويكون خروجه قبل خروج يأجوج ومأجوج، وهو في زمن عيسى وزمن المهدي، وقد جاء في الحديث أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلف المهدي، ثم يخرج ويقتل الدجال بباب لد، فمسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل مسيح الضلالة المسيح الدجال، والأحاديث في ذلك ثابتة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وأورد أبو داود جملة من تلك الأحاديث أولها حديث حذيفة وأبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنهما، يقول حذيفة: (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) والضمير في منه: يرجع إلى الدجال، وقد جاء في صحيح مسلم أن الذي قال ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله تعالى أعلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما يكون مع الدجال أكثر مما يعلم الدجال ما يكون معه، وذكر أنه يكون معه جنة وهي في الحقيقة نار، ونار وهي في الحقيقة جنة، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يقرب ماءه؛ لأنه نار، وليقرب النار فإنها ماء في باطن الأمر.
وسياق الحديث هنا يدل على أن هذا لفظ حذيفة، ولكن جاء في صحيح مسلم أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو مسعود البدري في نفس هذا الحديث: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) وإذا كان حذيفة قاله كما في هذا الإسناد، فمعنى ذلك أنه يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك مبنياً على ما علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متحقق من أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، فهو يؤمن ويصدق به، وهو تابع للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العلم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمي عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح لأنه يمسح بيده على الأكمه والأبرص فيشفى بإذن الله، فهو مسيح بمعنى ماسح، وأما الدجال فهو مسيح بمعنى ممسوح، فهو ممسوح العين، أو لكونه يمسح الأرض بسرعته في أربعين يوماً كالغيث إذا استدبرته الريح، كما جاء في الحديث.
وظاهر الحديث أن النار والماء يجتمعان معه ويسيران معه في كل مكان.