قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله! أية هو؟ قال: القتل القتل)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان)، وتقارب الزمان فسر بقلة فائدة الأعمار، وبغير ذلك، وفي هذا الزمان حصل تقارب الزمان، واتصال الناس، وصار الناس كأنهم في قرية أو مدينة بحيث لو حصل حادث في أي موضع من الدنيا فإن خبره يصل إلى الدنيا كلها في دقيقة واحدة، وكذلك أيضاً اتصال الناس بعضهم ببعض رغم وجود المسافات الشاسعة، ويكلم بعضهم بعضاً ويتبايعون، وترسل البضائع، وتنقل الأخبار، ويطمئن بعضهم على بعض، وكان فيما مضى لا يصل الخبر إلا بعد مدة طويلة بالانتقال على ظهور الإبل، وليس ببعيد أن يكون هذا من تقارب الزمان، وكذلك أيضاً سهولة الانتقال بالطائرات بتلك السرعة الهائلة التي يقطع فيها الإنسان مسافات بعيدة في ساعات، وكان هذا الذي يقطع الآن بأقل من ساعة يقطع فيما مضى في عشرة أيام أو ربما شهر، فلا شك أن هذا فيه تقارب، والناس صاروا كأنهم في قرية أو في مدينة بما يسر الله عز وجل لهم من هذه الوسائل سواء عن طريق الاتصالات الهاتفية، أو عن طريق الطائرات والسيارات، وما إلى ذلك من الوسائل التي سخرها الله في هذا الزمان، فليس ببعيد أن يكون معنى هذا الحديث ما حصل في هذا الزمان.
قوله: [(وينقص العلم)]، يعني: يحصل نقصان العلم وقلته وضعف أهله وذلك بالانشغال عنه، وبموت أهله الذين هم متمكنون منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، فالقراء كثيرون والفقهاء قليلون وما أكثر من يقرأ وما أقل من يفقه، ومعلوم أن ذهاب أهل العلم الذين هم متمكنون منه والذين هم مرجع فيه يعد خسارة كبيرة على الناس، ويتضح ذلك في هذا الزمان بوفاة شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، فإن هذا يبين لنا أن ذهاب مثل هؤلاء نقص كبير وخسارة كبيرة للناس؛ لما أعطاهم الله عز وجل من سعة العلم ونفع الناس، وما خلفوه من تراث وعلم يبين لنا شدة الخسارة وعظم المصيبة بذهاب من هو متمكن في العلم.
قوله: [(وتظهر الفتن)]، وما أكثر الفتن في هذا الزمان وقبل هذا الزمان وفي مختلف الأزمان، ولكن في هذا الزمان الفتن كثيرة، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قوله: [(ويلقى الشح)]، الشح في النفوس والبخل بالمال، والشح هو شدة البخل.
والفرق بين البخل والشح: أن الشح هو شدة البخل، والبخل أعم والشح أخص؛ لأن الشح هو أشد ما يكون من البخل، وهذا واقع في هذا الزمان وفي أزمان كثيرة حيث تكون الدنيا عند الناس غالية حتى يقتتلوا عليها، وتحصل الشحناء بسببها بين الأقارب والأصدقاء.
قوله: [(ويكثر الهرج)]، الذي هو القتل في الفتن.
قوله: [(قيل يا رسول الله! أية هو؟ قال: القتل القتل).
قولهم: أية هو؟ يعني: ما هو الهرج الذي أخبر عن كثرته وحصوله ووجوده، (قال: القتل القتل).