قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه لم يخضب، ولكن قد خضب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: إنه لم يخضب، ولكن خضب أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وهذا يخالف ما تقدم من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم خضب، وأنه كان عليه الحناء في لحيته أو وفرته، وقيل في الجمع بينهما: إن أنساً نافٍ وغيره مثبت، والمثبت مقدم على النافي.
وقيل: إنه يحتمل أنه لم يحصل منه أن يشيب شعره كله حتى يحتاج إلى أن يصبغ.
وقوله: (وأبو بكر وعمر كانا يصبغان) يعني: أنهما احتاجا إلى ذلك؛ لكونه حصل البياض في شعرهما بكثرة، أو أن شعرهما صار أبيض فحصل منهما التغيير.
الحاصل: أن هذا فيه نفي، والذي تقدم فيه إثبات، والإثبات مقدم على النفي، ويحتمل أنه لم يحصل منه، أو أنه لم يكن يبلغ إلى حد أن شعره كان أبيض يحتاج إلى أن يغيره، كما احتاج أبو بكر وعمر إلى تغييره؛ لأن شعرهما تغير إلى البياض، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما شاب منه إلا شعرات قليلة، وأكثر شعره كان أسود والذي ابيض منه قليل، فلعل أنساً رضي الله عنه لم يطلع على ذلك الشيب لقلته، وغيره اطلع عليه.