قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلة الشعر.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عام حج وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: (يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب ما جاء في صلة الشعر.
يعني: وصل الشعر بشيء زائد من أجل التطويل.
وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث أولها حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قدم من الشام قدمة لحج أو عمرة، فمر بالمدينة وخطب الناس، وأخذ قصة من شعر كانت بيد حرسي، يعني: واحداً من الحرس، وكأنه أتى بها أو رآها وأراد أن ينبه الناس عليها بالمشاهدة والمعاينة، فكانت مع هذا الحرسي فأخذها حتى يقول للناس: إن هذا اللون أو هذا الشيء الذي حصل واتخذته النساء لا يجوز، فقال: (يا أهل المدينة! أين علماءكم؟) وقوله: (أين علماؤكم) لعل المقصود من ذلك: أين علماؤكم الذين لم ينبهوكم على هذا ولم يبينوا لكم حكم هذا، وأن هذا غير سائغ؟ لأن العلماء هم الذين يبينون الأحكام الشرعية، وهم الذين يبينون ما يسوغ وما لا يسوغ، وإذا رأوا أمراً مخالفاً للسنة نبهوا عليه وبينوه؛ لأنهم هم الذين يتكلمون بعلم ويقولون بعلم، فهذا شأن العلماء.
فالمقصود من قوله: (أين علماؤكم؟) أن هذا خلل وأن هذا نقص وأن هذا تقصير، وأن هذا شيء غير سائغ، ومهمة العلماء أنهم ينبهون على هذا، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيان السنن والتحذير من المعاصي والمخالفات لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك على المنابر حتى تعم الفائدة وحتى يعم النفع، فإن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وأرضاه حدث بذلك وهو على المنبر لتعم المنفعة، ولينتشر العلم، ويكثر الآخذون عنه العلم.
وقوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم).
هذا فيه بيان أن هذا من أفعال الأمم السابقة، وأن هذا من الأمور المحرمة، وأن هذا من أسباب هلاكهم، وفي هذا بيان أن المعاصي ضررها كبير، وخطرها عظيم، وذلك أن من أسباب هلاك الأمم السابقة اتخاذ نسائهم مثل هذه الأعمال والاتصاف بمثل هذه الأوصاف.