قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد المازني أخبرنا الجريري عن عبد الله بن بريدة أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائراً، ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم، قال: وما هو؟ قال: كذا وكذا قال: فما لي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض؟ قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، قال: فما لي لا أرى عليك حذاءً؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحياناً)].
أورد أبو داود حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه أنه كان أميراً وجاءه رجل من الصحابة، وهو مبهم هنا لم يسم، وكان قد سمع حديثاً هو وإياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحل إليه ليستثبت منه ذلك الذي سمعه هو وإياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء وأخبره بالمقصد، ثم قال: ما لي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض؟ شعثاً يعني: غير مترجل وغير مستعمل الترجل.
فقال: (إن رسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن كثير من الإرفاه) يعني: التوسع والتنعم وكثرة الاشتغال بتحسين الجسد، وبتحسين الشعر، فيكون الإنسان يده فيه دائماً ويكون مشغولاً فيه بحيث يقضي جزءاً من أوقاته في هذه المهمة، وفي هذه الأغراض، فهذا من الترفه، والمطلوب هو أن يكون بين بين أي: وسطاً بحيث لا يكون تاركاً بالمرة، ولا متوسعاً مبالغاً، وإنما يكون معتدلاً، ولهذا قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن كثير من الإرفاه) يعني: عن التنعم كثيراً أو التوسع كثيراً، ولم ينههم عن الترجل وعن تحسين الهيئة، وإنما الذي نهاهم عنه هو التوسع في ذلك، ولهذا قال: (عن كثير من الإرفاه) ولم يقل: نهانا عن الإرفاه، وهذا معناه أن يكون هناك توسط، وأن يكون هناك اعتدال.
ثم قال: (ما لي لا أرى عليك حذاءً؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحياناً).
وهذا فيه إشارة إلى الانتعال والاحتفاء، وأن هذا ليس هو ديدنه وليست هذه هي طريقته، وإنما وافق أنه كان على هذه الحالة في هذا الحين من الأحيان الذي كان يحتفي فيه امتثالاً لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو من جنس الذي قبله، فالحديث الذي قبله فيه عدم توسع، وهنا كذلك فيه عدم توسع.
لكن إذا كانت الأرض فيها أمور تقتضي الانتعال فإن الإنسان ينتعل، فإذا كانت الأرض مثلاً فيها زجاج أو فيها حديد أو كان فيها حجارة أو شوك، أو رمضاء في شدة حرارة الشمس فإن الإنسان يجعل هذه الوقاية التي أنعم الله تعالى بها عليه وهي استعمال النعال، ولكن كونه يترك النعال في بعض الأحيان هذا هو الذي جاء في هذا الحديث عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يأمرهم بالاحتفاء أحياناً، وذلك حتى لا يحصل هناك تنعم زائد ومغالاة فيه وإنما يحصل شيء من الخشونة والبذاذة، ولكن لا يكون ذلك دائماً وأبداً، وإنما يكون في بعض الأحيان.