شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في البول في المستحم.

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد حدثنا معمر أخبرني أشعث وقال الحسن: عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، قال أحمد: (ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه).

أورد أبو داود رحمه الله باب البول في المستحم، والمستحم هو: مكان الاستحمام، أي: مكان الاغتسال، وقيل له: استحمام لأنه مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار؛ فإنه يغتسل بالماء الحار لاسيما في الشتاء.

وقوله: (يستحم) يعني: يغتسل، وسواء كان الماء حاراً أو بارداً.

وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، وقال أحمد: (ثم يتوضأ فيه).

وأحمد هو أحد الشيخين اللذين روى عنهما أبو داود وهو الإمام أحمد بن حنبل.

والحديث يدل على النهي عن أن يبول الإنسان في المستحم ثم يتوضأ ويغتسل فيه، وقيل: إن المنع إنما هو في المكان الذي يستحم فيه إذا كان أرضاً سهلة، بمعنى: أنه يمسك البول ويمسك النجاسة.

ومن العلماء من قال: إن المقصود به إذا كان صلباً بحيث إن الإنسان إذا بال يتطاير البول على الإنسان فيلحقه الضرر، وكذلك إذا كان المكان مكاناً صلباً ينحبس فيه البول ويتجمع فيه البول فإنه يحصل بذلك تعرض للوقوع في النجاسة، أما إذا كان له مجرى يمشي فيه كالأماكن الموجودة في البيوت في هذا الزمان من كون الماء له مسالك يذهب فيها فقالوا: إنه لا بأس ولا مانع من الاغتسال فيها.

قوله: [(فإن عامة الوسواس منه)]، يعني: أن الإنسان إذا بال في مكان يستحم فيه ثم وقع البول على أرض ترابية فإن النجاسة يمسكها التراب وتبقى في التراب، والإنسان قد يطأ على هذا المكان النجس ورجله مبلولة إذا كان قد يبس، وإذا كانت الأرض صلبة فإنه يترتب على ذلك أن يتطاير عليه رشاش البول، فيؤدي ذلك إلى الوسواس، ويظل يقول: هل حصلت نجاسة أو لم تحصل نجاسة؟ هل علقت نجاسة أو لم تعلق نجاسة؟ فيكون في ذلك وسواس.

فهذا هو معنى الحديث، وهذا هو التعليل للنهي عن الاغتسال أو البول في المستحم، لكن إذا كان مثل ما هو موجود في هذا الزمان من وجود أماكن يبول الناس ويستحمون فيها والنجاسة تذهب ولا يبقى لها أثر فإن ذلك لا محذور فيه ولا مانع عنه، وإنما النهي فيما إذا لم يكن هناك مجرى والأرض ترابية ويبقى البول على التراب ويطأ الإنسان عليه ويكون منه ملامسة للنجاسة أو كانت الأرض صلبة فيجتمع الماء والبول فيها فيؤدي ذلك إلى الوطء عليه أو كونه يبقى وينشف وتكون الأرض نجسة، أما إذا كان البول يمشي والماء يلحقه فإنه لا يحصل بذلك الذي يحصل في هذه الأحوال.

إذاً: النهي فيما إذا ترتب على ذلك مساسه، فإذا لم يترتب عليه مساسه بأن النجاسة تذهب والبول يذهب والماء يتبعه ولا يبقى شيء يؤثر فإنه لا بأس ويجوز البول في مكان الاستحمام.

والحديث ورد لأوله طرق أخرى، وأما قوله: (فإن عامة الوسواس منه) فما جاء إلا من طريق واحدة والطريق هذه فيها كلام، لكن أوله إذا ضمت الطرق بعضها إلى بعض يكون ثابتاً، وأما ما جاء من ذكر الوسواس الذي جاء من طريق واحدة فهذا هو الذي يضعف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015