قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المواقيت].
هذا باب ما جاء في المواقيت، وقد عرفنا أن الله عز وجل جعل مواقيت العبادة أموراً معلومة مشاهدة معاينة يعرفها الخاص والعام، وليست بحاجة إلى حذق وإلى فطنة وإلى دقة وإلى ذكاء، وإنما هي أمور معلومة معروفة مشاهدة للخاص والعام وللحاضر والبادي، يعرف ذلك الحضري في قريته والبدوي في فلاته، وليس فيها خفاء، ومن هذه العبادات الصلوات الخمس، فقد حددت أوقاتها بأمور مشاهدة معاينة، فالظهر إذا زالت الشمس وتحول الظل من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فعندما يحصل انكسار الفيء بعد انتصاف النهار يبدأ وقت الظهر إلى أن يكون ظل الشيء مثله، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بتأخير صلاة الظهر إذا اشتد الحر حتى تنكسر حدة الشمس، والعصر يصليها إذا انتهى وقت الظهر بحيث يكون ظل كل شيء مثله، وانتهاء وقت صلاة العصر حين يكون ظل الشيء مثليه، أو ما لم تصفر الشمس، أو كون الشمس حية مرتفعة نقية، وهذا هو الوقت الاختياري الذي للإنسان أن يؤخر إليه، ولكن -كما هو معلوم- ينبغي للإنسان ألا يعرض نفسه لتأخير الصلاة عن وقتها الاختياري؛ لأن تأخيرها إلى قرب الوقت قد يحصل معه الفوات، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه ويأتي بالصلاة في أول وقتها أو بعد ما يمضي شيء من الوقت، لكن لا يكون الوقت قريباً من الانتهاء والانصرام؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والذي يقرب من انتهاء الوقت قد يحصل منه الخروج من الوقت، فالاحتياط للإنسان في دينه أن لا يؤخرها، وأما وقت الاضطرار فإنه من حين اصفرار الشمس إلى الغروب، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك الصلاة) يعني: أدركها مؤداة في وقتها، ما دام أنه أدرك منها مقدار ركعة، وكذلك من أدرك قبل طلوع الشمس ركعة يكون قد أدرك الفجر، أما المغرب فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصليها إذا غربت الشمس وجاء وقت إفطار الصائم، وجاء أن آخر وقتها إذا غاب الشفق أو ما لم يغب الشفق، ويأتي بعدها وقت صلاة العشاء مباشرة من غير فاصل، ويمتد وقتها إلى نصف الليل، وهذا هو الوقت الاختياري، وليس للإنسان أن يؤخرها إلى آخر الوقت بحيث يكون الوقت عرضة للخروج، ولكن ما دام أنه صلاها قبل نصف الليل فإنه يكون بذلك قد أداها، ومن نصف الليل إلى طلوع الفجر يكون الوقت الاضطراري؛ لأن الإنسان إذا نام ولم يستيقظ إلا بعد انتصاف الليل فإنه يصليها، وتكون مؤداة؛ لأنه أداها في الوقت الاضطراري.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة).
وكل الصلوات أوقاتها متصلة بعضها ببعض إما اختياراً وإما اضطراراً إلا الفجر، فإن آخر وقتها طلوع الشمس، والزمن من طلوع الشمس إلى الزوال ليس وقتاً لأي صلاة من الصلوات، ولا للظهر؛ لأن صلاة الظهر لا بد من أن تكون بعد الزوال، وصلاة الفجر لا يجوز أن تؤخر عن طلوع الشمس، ولو أخرت عن طلوع الشمس -سواءٌ أكان ذلك اختياراً أم اضطراراً- فإنها تعتبر مقضية؛ لأنها فعلت في غير وقتها، إلا أن الإنسان إذا صلى بعد طلوع الشمس مضطراً غير مفرط فإنه يكون قد أدى ما عليه قضاءً، ولكنه لا يأثم، أما إذا كان مفرطاً وحصل التأخير عن طلوع الشمس بتفريط منه فإن عليه أن يصلي، ولكنه أثم بكونه قصد التأخير أو أنه وجد منه التفريط الذي حصل بسببه التأخير.