قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة، لينتعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (لا يمش أحدكم في النعل الواحدة، لينتعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً)، هذا يدل على أن من آداب الانتعال أن الإنسان عليه أن ينتعل في رجليه جميعاً، وهو إما أن يحفيهما جميعاً أو ينتعل فيهما جميعاً، أما أن يمشي برجل انتعلت ورجل حافية، فهذا هو الذي جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عنه؛ وذلك أنه يترتب على ذلك محاذير: منها: أن توازن الإنسان لا يحصل إذا كان لابس النعل في إحدى رجليه والأخرى حافية، وقد تكون مشيته كمشية الأعرج، لأن إحداهما عالية والأخرى منخفضة، وغير المنتعلة تتأثر فيكون ماشياً على حذر وعلى حرص على مراقبة تلك الرجل حتى لا يصيبها شيء؛ بخلاف ما إذا كان الإنسان قد نعلهما جميعاً أو أحفاهما جميعاً، فإن التوازن موجود، وقد سلم من تبعة الحفا لإحدهما والانتعال للأخرى.
وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذه المسألة، وهي النهي عن أن يكون الإنسان بعضه في الظل وبعضه في الشمس؛ لأن ذلك يكون له تأثير على الجسد؛ لأن بعضه قد يصيبه برودة لأنه في الظل، وبعضه يصيبه حرارة لأنه في الشمس، فهو إما أن يكون في الشمس كله أو يكون في الظل كله، وكذا من ينام أو يضطجع بعضه في الشمس وبعضه في الظل، ففيه ذلك المحذور الذي هو مثل محذور نعل أحد الرجلين وإحفاء أحدهما.
ومثل ذلك أيضاً القزع الذي يكون فيه حلق بعض الرأس وترك بعض الرأس، فهذا أيضاً لا يجوز؛ ولهذا جاء في قصة لأحد أبناء جعفر لما حلقوا بعض رأسه قال: (احلقوه كله أو دعوه كله)، معناه: أن الرأس يعامل معاملة واحدة فإما أن يحلق كله أو يبقى كله، ولا يحلق بعضه ويترك بعضه.