قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب اللباس باب.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا ابن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له).
قال أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [كتاب اللباس].
ذكر أبو داود رحمه الله هذا الكتاب باسم اللباس، وكذلك كثير من المؤلفين مثل البخاري وغيره يذكرونه بهذا الاسم، وأما النسائي رحمه الله فإنه عبر عنه بالزينة، وجعل اللباس جزءاً من الزينة، بحيث أنه يشتمل على اللباس وعلى ما يتعلق بالتجمل وبما يتعلق بالشعر والترجيل وغير ذلك.
أما الإمام أبو داود رحمه الله فقد عقد لما يلبسه الإنسان كتاباً خاصاً به هو اللباس، بين فيه ما يحل وما يحرم من ذلك، ما يسوغ وما لا يسوغ، وأتى بعد ذلك بكتاب الترجل الذي هو الزينة التي هي غير اللباس، وأما النسائي رحمه الله فقد جمع الاثنين في كتاب واحد فقال: كتاب الزينة، فجمع بين ما يتعلق باللباس وما يتعلق بالتجمل الذي يتعلق بالشعر ما يؤخذ وما يترك وما إلى ذلك، فجعل الكتاب عاماً شاملاً للباس وغيره، ومن المعلوم أن اللباس من الزينة.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوباً) يعني: لبس ثوباً جديداً سماه باسمه -ثوب أو قميص أو عمامة أو إزار أو سراويل- وقال: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه؛ أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) يحتمل أنه كان يسميه، ويقول: هذا ثوب أو هذا قميص الحمد لله الذي، أو أنه يسميه في داخل الدعاء يعني بأن يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا الثوب -كسوتني هذا القميص، ويسميه في داخل الدعاء.
وإذا ذكره في داخل الدعاء فيكون من جنس ما ورد في الاستخارة أن الإنسان يذكر حاجته في داخل الدعاء: (اللهم إن كنت تعلم أن هذه الحاجة المعينة التي هي كذا وكذا خير لي في ديني ودنياي) فيكون هذا من جنس ذاك أو هذا نظير ذاك.
وعندما يلبس الإنسان الثوب الجديد فإنه يدعو بهذا الدعاء، أولاً: يحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليه، وأن هذا من فضل الله عز وجل عليه، وهو الذي يكسو ويرزق عباده، وهو الذي يتفضل على عباده بكل خير وبكل نعمة كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18]، قال {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، وجاء في حديث أبي ذر الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه وهو حديث قدسي: (يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته) وهو حديث طويل، وفيه ذكر الكسوة، وأن الله تعالى هو الذي بيده كل خير وبيده كل نعمة وهو المتفضل بالنعم والذي يجود على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، ومنها ما يتعلق باللباس.
(أسألك من خيره وخير ما صنع له) يعني كونه يستفيد منه في ستر العورات، وفي حصول الزينة، ويستعمل في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(وأعوذ بك من شره) وهو أن يصير عند المرء كبر وترفع وتعاظم إذا لبس ثوباً جديداً أو نفيساً فإن هذا من شره الذي يحصل بسببه، وكذلك أن يستعمل هذه النعمة في المعصية بأن يكون كسا نفسه من أجل الوصول إلى مضرة الآخرين، مثل أن يظهر نفسه بالمظهر الجميل، حتى أن من يراه لا يظن فيه سوءاً من ناحية السرقة، ثم بعد ذلك يسعى إلى السرقة وإلى أخذ أموال الناس بالباطل، فكل هذا من الأمثلة التي هي داخلة في الشر الذي يكون في الثياب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شرها وشر ما صنعت له.
[قال أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى].
أورد هذا الأثر عن الصحابة وهو بالإسناد المتقدم، أعني أنه بنفس الإسناد.
[فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله].
يعني: أنك لبست هذا الثوب، والله تعالى يبقيك حتى يبلى، وإذا بلي يخلف الله عوضاً عنه، ويعوض عنه مثله وما هو أحسن منه.
فقوله: [تبلى ويخلف الله].
هذا دعاء له بطول العمر وبالبقاء حتى يبلى الثوب من طول لبس صاحبه له، وبعد بلائه وذهابه يخلف الله عز وجل عنه خيراً منه، ويعوض عنه ما هو خير منه، فيكون في ذلك دعاء له بالبقاء وبحصول الخير وبحصول العوض الذي يكون بعد بلاء الثوب وطول مكث صاحبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة بعدما كساها -أعطاها ثوباً-: (أبلي وأخلقي) أو (أبلي وأخلفي) فيكون المعنى على رواية (أخلفي) أنه إذا بلي الثوب يحصل الخلف والعوض عن الشيء الذي قد حصل، فهذا الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مطابق لما جاء في الحديث الذي سيأتي.