قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عتق ولد الزنا.
حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ولد الزنا شر الثلاثة).
وقال أبو هريرة: لأن أمتع بسوط في سبيل الله عز وجل أحب إلي من أن أعتق ولد زنية].
أورد أبو داود: [باب في عتق ولد الزنا]، العتق كما هو معلوم يكون للمسلم وللكافر، ويكون للطيب والرديء، ويكون للصالح والطالح، وولد الزنا هو أحد هؤلاء، فقد يكون صالحاً ويحصل له العتق، وقد يكون فاسقاً ويحصل له العتق، والكافر أيضاً كذلك يعتق، فالمقصود: أن العتق يحصل على كل مسلم سواء كان صالحاً أو طالحاً.
وأورد المصنف حديث أبي هريرة قال: (ولد الزنا شر الثلاثة)، والثلاثة هم: الزاني والزانية والولد الذي تحدر منهما، فقيل: إن معنى شر الثلاثة إذا كان على طريقتهما وعلى منهجهما، وقيل: إنه شر لأنه حصل من ماء حرام ومن لقاء حرام، وتكون من نطفة خبيثة.
لكن كما هو معلوم أنه ليس مؤاخذاً على ما حصل وإنما المؤاخذة على الزاني والزانية، وأما الولد فلا دخل له ولا ذنب له ولم يكن متسبباً في شيء، وإنما هو نتيجة لأمر حرام، ولكن قد يكون حال من كان كذلك أنه يغلب عليه الخبث، لكن هذا لا يعني أن كل من كان كذلك فإنه يكون كذلك، فمن أولاد الزنا من يكون فيه خير وصلاح وتقى، ومنهم من يكون بخلاف ذلك.
إذاً: فالأصل أنه شر إذا كان مثل أبويه، وكان على طريقة أبويه واقتدى بهما وسار على منهاجهما في فعل الفاحشة؛ فإنه يكون شر الثلاثة، وقد ذكر صاحب عون المعبود حديثاً: (ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه)، رواه أحمد في المسند، فلا أدري هل هذا اللفظ من الحديث أم لا؟ فإذا كان من الحديث فلا إشكال، وقد جاء عن بعض العلماء أنه قال هذا، فلا أدري هل هو ثابت أو مدرج، فإذا كان ثابتاً زال الإشكال ولا يحتاج إلى أن يبحث عن تفسيره وتأويله، ويحتمل أن يكون المعنى: أنه شر حيث ولد من نطفة خبيثة، ولكن هذه النطفة قد يكون صاحبها سليماً فلا يضره ذلك، وقد يكون خبيثاً فيكون ناشئاً ومتولداً من خبث.
وقيل أيضاً: بأن ولد الزنا ورد فيه حديث يتعلق بأنه لا يدخل الجنة، ولكن هذا يحمل على ما إذا كان ملازماً لهذا الشيء، ومتلبساً به لتمكنه منه، وذلك مثل ابن السبيل، فما سمي ابن السبيل كذلك إلا لملازمته إياه، وهذا لملازمته للزنا.
وقول أبو هريرة: [لأن أمتع بسوط في سبيل الله] يعني: يعطي ويعين أحداً يجاهد في سبيل الله بسوط خير من أن يعتق ولد الزنا، وفيه إشارة إلى قلة الفائدة من إعتاقه، وذلك فيما إذا كان على منهاج وطريقة أبويه؛ إذ يكون فيه الخبث، فإعتاقه لا تحصل منه الفائدة المرجوة الكبيرة، وأن سوطاً ينفق في سبيل الله ويجاهد به في سبيل الله خير من عتق من يكون هذا شأنه.