الراجح في المسألة: أن أمهات الأولاد لا يبعن، ويدل لذلك أيضاً الحديث الذي أشرت إليه، وهو أنهم كانوا يعزلون من أجل ألا تحمل، ولو كان الأمران سيان ما احتاجوا إلى العزل، لكنهم كانوا يعزلون من أجل ألا تكون أم ولد، وهذا هو سبب العزل كما في حديث جابر: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، فكانوا يعزلون لئلا تحمل الإماء فيكن أمهات أولاد، وهذا قد جاء في بعض الأحاديث في السبي أنهم قسم عليهم السبي فكانوا يطئونهن ويعزلون؛ لئلا يحصل الحمل، فقوله: (كنا نعزل والقرآن ينزل) يدل على جواز العزل، وهم إنما فعلوا أمراً جائزاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن العزل، وإنما أخبر أن العزل لا يرد شيئاً قدره الله؛ لأن الله إذا قدر الولد فإنه يحصل الحمل ولو وجد العزل، فقد تندفق نقطة وقطرة يكون بها الحمل من غير اختيار الإنسان، وقد جاء في صحيح مسلم في نفس أحاديث العزل: (ليس من كل المني يكون الولد)، معناه: أن الولد يكون بشيء يسير جداً قد يفوت ويتسرب فيكون منه الولد، ومعناه: أن الحمل قد يكون مع وجود عزل، بل إن شيئاً يسيراً جداً قد يحصل به فوات الحرص ويحصل به الحمل بإذن الله.
ولا تعتق الأمة بمجرد أن تلد لسيدها، بل تبقى في ملكه، وليس له أن يبيعها وهو يستمتع بها، وإذا مات عتقت عليه، ولا تعتق في الحال؛ ولو عتقت في الحال لم يبق مجال للبيع، ولكن كون هناك فترة موجودة بين ولادتها وبين موت سيدها فإنها لا تباع في هذه الفترة، وتعتق بموته.
ولا يجوز بيع الأمة وهي حامل، وأولاد الإماء تبع للإماء في الرق، فإذا كانت الأمة رقيقة فإن يكون ولدها يكون رقيقاً، إلا في بعض الأحوال المستثناة وهي: إذا تزوج الإنسان الحر أمة واشترط أن يكون ولده حراً، فهنا لا يكون تابعاً لها، فالحر يجوز له أن يتزوج الأمة إذا عجز عن الحرة ولم يستطع الطول الذي يتزوج به الحرة، ولكنه إذا اشترط حرية ولده فإن الولد يكون حراً.
وأما من حملت منه فهي أم ولد له، وليس له أن يبيعها، ومعنى أنه يبعها أن يبيع ولده؛ لأن الذي في بطنها ولد له، ولكن الكلام في ما إذا كانت متزوجة وقد حملت، فإن الذي يملكها يبيعها، ومعلوم أن ولدها إنما هو تابع لها في الرق إلا فيما استثني.
وهناك مسألة أخرى وهي: مسألة الغرر، وهذه ذكروها في مباحث الفرائض فيما يتعلق بموانع الإرث، وهي: الرق والقتل واختلاف الدين.
وقد ورد في سنن النسائي: (كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأساً)، وهذا يجاب عليه بما مر عن جابر: أنهم كانوا يفعلون ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه نسخ، فقد جاء عن عمر أنه نهاهم عنه فيما بعد.