قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطب.
باب في الرجل يتداوى.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم)].
أورد أبو داود كتاب الطب، والمراد به طب الأبدان، والطب طبان: طب القلوب، وطب الأبدان، وطب القلوب هو بطاعة الله عز وجل، والاستقامة على شرعه، والتزام أمره ونهيه، وهذا هو الذي فيه حياة القلوب، وفيه سعادة الدنيا والآخرة، ولا علاج للقلوب ولا شفاء لها إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حياتها وسلامتها إنما هي بذلك، ومرضها وشقاؤها إنما يكون بخلاف ذلك، وأما علاج الأبدان فيكون بالقرآن وغير القرآن، بالرقية وغير الرقية، وأما القلوب فلا شفاء لها إلا بالقرآن وبما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، لا شفاء لها من أمراضها -سواءً أمراض الشهوات أو أمراض الشبهات- إلا بالالتزام والاعتصام بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والطب الذي يذكره المحدثون هو طب الأبدان، وهو العلم الذي يعرف به علاج الأبدان.
وقد أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرجل يتداوى، وذكر الرجل هنا لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، وإلا فإن الحكم للرجال والنساء، فالرجل والمرأة كل واحد منهما له أن يتداوى، فذكر الرجل لا مفهوم له، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الرجل وليس المقصود به الاقتصار عليه دون المرأة؛ لأن الأصل في الأحكام أنها عامة للرجال والنساء، ولا تنفرد النساء بحكم إلا بدليل، ولا ينفرد الرجال بحكم إلا بدليل، وحيث لا دليل يفرق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام.
أورد أبو داود حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه أنه قال: (جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه كأنما على رءوسهم الطير) وهذا إشارة إلى السكينة والهدوء، وأن كل واحد منهم متجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومقبل عليه يسمع حديثه، فإن الطير لا تقع إلا على شيء ساكن لا يتحرك، وقوله: (كأن على رءوسهم الطير) يضرب مثلاً للسكينة والهدوء وعدم الاضطراب والحركة.
قوله: [(فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: تداووا)].
يعني: جاء الأعراب من جهات مختلفة فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (تداووا، فإن الله ما وضع داءً إلا وضع له شفاء، إلا داء واحد هو الهرم)، فكل شيء له علاج، (علمه من علمه، وجهله من جهله) إلا الهرم، وهو الضعف بسبب الشيخوخة والتقدم في السن، فإن هذا لا علاج له، فعلاجه بمعنى إرجاع الشباب وذهاب الهرم لا يمكن، فليس للهرم علاج، وضعف صاحبه هو نتيجة الهرم والتقدم في السن، وليس من الأعراض التي تطرأ على الإنسان من حال إلى حال، فيكون صحيحاً ثم يكون مريضاً، والهرم يشارك المرض في الضعف، ولكن الأمراض لها علاج، وهذا لا علاج له.
وهذا الحديث يدل على أن التداوي مباح.