Q يقول الخطابي رحمه الله: إنما جاء النهي عن القران لمعنى مفهوم وعلة معلومة، وهي ما كان عليه القوم من شدة العيش وضيق الطعام وإعوازه، وكانوا يتجوزون في المأكل، ويواسون من القليل، فإذا اجتمعوا على الأكل تجافى بعضهم عن الطعام لبعض، وآثر صاحبه على نفسه، غير أن الطعام ربما يكون مشفوها.
وفي القوم من بلغ به الجوع الشديد، فهو يشفق من فنائه قبل أن يأخذ حاجته منه، فربما قرن بين التمرتين، وأعظم اللقمة ليسد بها الجوع، ويشفى به القرم، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيه.
فهل يفهم منه أنه إذا صلح الحال وكثر الطعام جاز القران؟
صلى الله عليه وسلم لاشك أن الذي ينبغي للإنسان حتى مع وجود السعة أن يأكل كل تمرة على حدة، وكون الإنسان يعود نفسه عدم الشره، وعدم الإكثار من الأكل على هذه الصورة، لاشك أنه أولى، لكن جاء في الحديث الأول: (إلا أن تستأذن أصحابك) يعني: أنه جائز في حال الاستئذان، لكن قال ابن القيم: وهذه الكلمة -وهي الاستئذان- قيل: إنها مدرجة من كلام ابن عمر، قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلام ابن عمر -يعني الاستئذان- ذكره البخاري في الصحيح.
وقد روى الطبراني في المعجم من حديث يزيد بن زريع عن أبي خالد عن عطاء الخراساني عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الإقران، وإن الله قد أوسع الخير فأقرنوا).
لكن يزيد بن زريع من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، والطبراني بعدهم؛ لأنه توفي سنة (360هـ)، وولادته سنة (260هـ) فتوفي وعمره مائة سنة.
فإذاً: بين الطبراني وبين يزيد بن زريع أناس محذوفون.
يقول النووي: اختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب، والصواب التفصيل! فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بتصريحهم به، أو بما يقوم مقامه من قرينة حال، بحيث يغلب على الظن ذلك، وإن كان الطعام لغيرهم حرم، وإن كان لأحد وأذن لهم بأكل اشترط رضاه، ويحرم لغيره ويجوز له هو، إلا أنه يستحب أن يستأذن الآكلين معه.
أما القول بالنسخ فقد ذهبت طائفة منهم الحازمي إلى النسخ، وقد ادعوا أن حديث بريدة ناسخ لحديث ابن عمر، لكن لا يصار إلى النسخ إلا بعد معرفة التاريخ، وعدم إمكان التوفيق.
والظاهر أن هذا الحديث يضعفه ابن القيم؛ لأنه يقول: وهذا الذي قالوه إنما يصح إذا ثبت حديث بريدة ولا يثبت مثله؛ فإن الطبراني رواه من حديث محمد بن سهل قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا محبوب العطار عن يزيد بن زريع فذكره.