قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب قائماً.
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في الشرب قائماً، أي: في حكمه، وهل هو سائغ أو غير سائغ؟ والمعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يشرب وهو جالس، وشربه وهو قائم حصل منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بقلة.
وقد جاء النهي عن الشرب قائماً، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائماً في بعض الأحوال، فمن العلماء من رأى أن هذا النهي الذي جاء عن الشرب عن قيام محمول على كراهة التنزيه، وأن فعله صلى الله عليه وسلم دال على الجواز، وجاء أيضاً ما يدل على ذلك من فعل الصحابة كفعل علي رضي الله عنه الذي سيأتي أنه شرب قائماً وقال: (إن رجالاً يكره أحدهم أن يشرب قائماً وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً)، فيكون الجمع بين هذه النصوص هو أن الأصل الشرب عن جلوس وهو الذي ينبغي أن يحرص عليه، وإن شرب الإنسان قائماً في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك فلا بأس به.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً)، وذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فمثله المرأة، ولكن كما ذكرنا أن الغالب هو الخطاب مع الرجال، وإلا فإن المرأة حكمها حكم الرجل، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، ولا يفرق بينهما إلا بدليل يفرق بينهما، وعلى هذا فذكر الرجل في قوله: (نهى أن يشرب الرجل) لا مفهوم له؛ فإن المرأة كذلك منهية عن أن تشرب قائمة كما أن الرجل منهي عن أن يشرب قائماً.