قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم)].
أورد أبو داود حديث بريدة بن حصيب رضي الله عنه الذي فيه النسخ لتحريم الانتباذ في الأوعية الغليظة السميكة، وأنه كان مباحاً لهم الانتباذ بالأسقية، وأنهم ممنوعون من تلك الأوعية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم في آخر الأمر أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط ألا يشربوا مسكراً، يعني: أنه لابد أن يكون الشرب بشيء لم يصل إلى حد الإسكار، وكان التحريم والمنع في أول الأمر، ولما استقر عندهم تحريم الخمر وألفوا ذلك أبيح لهم أن ينتبذوا في أي وعاء لكن يحتاطون بحيث لا يكون شربهم لشيء مسكر، وإنما لشيء لم يصل إلى حد الإسكار.
وكذلك كان قد نهاهم عن زيارة القبور ثم أذن لهم بزيارتها وقال: (زورها فإنها تذكر الآخرة) أي: أن فيها عبرة وعظة، والإنسان عندما يزور القبور يتذكر الموت ويستعد له بالأعمال الصالحة.
وكان نهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليال ثم بعد ذلك أذن لهم أن يدخروا وأن يتزودوا في أسفارهم، والمنع الذي كان أولاً كان من أجل الدافة، وهم قوم مساكين جاءوا يريدون أن يحصلوا على اللحم فمنعوا من الادخار حتى يبذلوه لهؤلاء المحتاجين، وبعد ذلك جاءت السنة بأن لهم أن يدخروا وأن يتزودوا في أسفارهم وأنه لا مانع من ذلك.
وهذا الحديث فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ؛ لأن قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها)، فيه ناسخ ومنسوخ، وقوله: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا) فيه ناسخ ومنسوخ، وقوله: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) فيه ناسخ ومنسوخ.