قوله: (لم يشربها في الآخرة) الأظهر: أنه لا يدخل الجنة دخولاً أولياً، وهذا لا يفهم منه أن إدمانه على الخمر يدل على استحلاله لها، فإن كان مستحلاً لها فهو لا يدخلها أبداً؛ لأنه يكون كافراً بالاستحلال، ولكن الكلام في غير المستحل.
ولا تلازم بين الإدمان والاستحلال، بل قد يكون الإنسان مدمناً وهو عاصٍ، ويعتبر مذنباً، ولا يقول: إنها حلال، ولكنه مبتلى بهذه الخبيثة أم الخبائث.
فلا تلازم بين الإدمان وبين الاستحلال، فيمكن أن يكون مع الإدمان مستحلاً حيث يقول: الخمر حلال، وليست بحرام، ويمكن أن يكون مع إكثاره منها وإدمانه لها يعتبر نفسه مذنباً، وليس بالمستحل، ويقول: إنه مخطئ وإنه قد ابتلي، وهو يعترف بذنبه، فهذا لا يكون كافراً، لكن إن كان مستحلاً فإنه لا يشربها أبداً ولا يدخل الجنة، وأما مع كونه غير مستحل فإنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات) أي: نمام، يعني: لا يدخلها مع أول من يدخلها، وليس معنى ذلك أنها محرمة عليه أبداً، كما حرمت على الكفار، حيث لا سبيل للكفار إلى دخول الجنة.
بل كل صاحب كبيرة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا وتجاوز عنه ودخل الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه ولكنه لا يخلده في النار، ولا يبقيه فيها أبد الآباد، بل يخرجه منها ويدخله الجنة ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها.