ابن القيم رحمه الله له كلام في مفاسد الخمر موجود في كتابه حادي الأرواح، ذكر فيه أضرار الخمر المتنوعة فقال: وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:15].
فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا، فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيته، وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها، ويجريها في غير أخدود، وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة.
فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا: تغتال العقل ويكثر اللغو على شربها، بل لا يطيب لشاربها ذلك إلا باللغو، وتنزف في نفسها وتنزف المال وتصدع الرأس، وهي كريهة المذاق، وهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة، وتورث الخزي والندامة والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان، وهم المجانين, وتسلبه أحسن الأسماء والسمات، وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، تسهل قتل النفس وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه، ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له ولمن يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن.
وكم أهاجت من حرب، وأفقرت من غني، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف، وسلبت من نعمة، وجلبت من نقمة، وفسخت مودة، ونسجت عداوة! وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبه! وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة! وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر! وكم أوقعت في بلية وعجلت من المنية! وكم أورثت من خزية، وجرت على شاربها من محنة، وجرت عليه من سفلة! فهي جماع الإثم ومفتاح الشر، وسلابة النعم، وجالبة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) لكفى.
وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وكلها منتفية عن خمر الجنة.
انتهى ما يتعلق بالمفاسد والأضرار التي تترب على الخمر من كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.