قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثني يحيى عن أبي كثير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة).
قال: أبو داود: اسم أبي كثير الغبري: يزيد بن عبد الرحمن بن غفيلة السحمي، وقال بعضهم: أذينة.
والصواب: غفيلة].
في الحديث السابق الذي مر لما ذكر الستة الأشياء قال: (وإني أنهاكم عن كل مسكر) يعني: منها ومن غيرها، فليس الأمر مقصوراً على هذه الأشياء وإنما هي أمثلة؛ ولهذا جاء بعد ذلك شيء يشملها ويشمل غيرها، وأن الأمر متعلق بالإسكار، أما إذا لم يكن الشراب مسكراً فإنه مباح وحلال، وما وصل إلى حد الإسكار سواء كان منها أو من غيرها، فإنه حرام لا يسوغ ولا يجوز.
ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة) يعني: في الغالب وليس ذلك للحصر كما هو معروف، وقد مر في الأحاديث السابقة ذكر أشياء متعددة غير العنب والتمر يكون منها اتخاذ الخمر.
وأهل الكوفة لا يرون تحريم الخمر إلا إذا كانت من العنب، وأما من غيره فلا يحرم إلا الكثير، وقالوا: إن في اللغة أن الخمر هي من العنب، فما كان من العنب فهو الخمر والباقي يقاس، والقياس لا يكون إلا بالكثير.
ويجاب: بأنه لا يسلم؛ لأن اللغة لا تحصر الخمر في العنب؛ وهذا هو كلام أهل اللغة، فإن الذين ذكروا هذه الأمور المتعددة هم من أهل اللغة وهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد جاء ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم لو لم يكن هناك إلا القياس، فإن القياس صحيح، وإلحاق النظير بالنظير أمر مطلوب، ولا شك أن المقيس يلحق بالمقيس عليه في جميع الأمور، ومعلوم أن القليل حرام وإن كان لا يسكر سواء كان من العنب أو غيرها؛ لأنه ذريعة إلى الكثير الذي يسكر، فإذا سد الباب وابتعد عن الوقوع في أي شيء يوصل إلى المحذور، فإن هذا قدر مشترك بين العنب وغيره، فلا يكون المنع خاصاً بالعنب دون غيره، وإنما هو للجميع.