قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القصص.
حدثنا محمود بن خالد حدثنا أبو مسهر حدثني عباد بن عباد الخواص عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عمرو بن عبد الله السيباني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في القصص، والقصص هي: ذكر الحكايات والقصص التي فيها تأثير وفيها فوائد للناس، وقد تكون هذه القصص سليمة ومفيدة، وقد يكون فيها شيء من المحذور، فالقاص هو الذي يذكر ويعظ ويأتي بالحكايات والقصص التي فيها تحريك للقلوب وقد لا يكون فيها تحريك للقلوب، ولكنها حكايات عن أناس متقدمين يأتي بها قد تكون مؤثرة وقد تكون غير مؤثرة.
وأورد أبو داود حديث عوف بن مالك رضي الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال).
قوله: (لا يقص) ليس هذا نهياً وإنما هو نفي؛ لأنه لو كان نهياً لصار المختال مأذوناً له في القص، فلو كان نهياً فإن معناه: أنه مأذون لهؤلاء ومنهم المختال لكن المقصود به النفي، يعني: أنه لا يحصل القصص إلا من هذا أو هذا، لكن لا يعني ذلك أنه يكون مأذوناً للمختال.
وقوله: (أمير أو مأمور) الأمير هو: المسئول وهو الذي يتكلم أو مأمور من الأمير، وإذا لم يكن لا هذا ولا هذا فهو الصنف الثالث وهو المختال الذي يحب الفخر ويحب الظهور ويحب البروز وقد يكون مرائياً أو ما إلى ذلك من الصفات.
فهذا إخبار عن الواقع؛ يعني: لا يقص إلا كذا وكذا وكذا، وليس معنى ذلك نفي الوقوع مطلقاً وإنما هو نفي الوقوع إلا من هؤلاء الثلاثة الذين هم: أمير أو مأمور أو مختال، والأمير والمأمور هؤلاء محقون أما المختال فهو منشغل فيما لا يعنيه وداخل في شيء غير مأذون له فيه.
وعلى هذا فقوله: (لا يقص) إخبار عن الواقع، أي: أنه لا يحصل القصص إلا من كذا وكذا وكذا، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع) يعني: أن الناس يتجهون إلى النكاح من أجل هذه الأمور وليس أمراً من النبي صلى الله عليه وسلم بأن أن المرأة تنكح لكذا ولكذا ولكذا، وإنما الأمر هو بأنها تنكح من أجل دينها، هذا هو الذي أمر به الشارع، وأما هذا ففيه إخبار عن واقع الناس، فمن الناس من يكون رغبته كذا ومنهم من رغبته كذا ومنهم من رغبته كذا، ومن جنسه لا يقص إلا كذا أو كذا، يعني: أن هذا إخبار بالواقع أن القصص لا تحصل إلا من هذا أو هذا أو هذا والأول والثاني محقان والثالث ليس على حق، وفي هذا دليل على أنه ليس كل أحد يقص على الناس، وإنما الذي يقص يقص بإذن من الوالي؛ لأنه قد يتولى القص ويتولى الكلام من يفسد ومن يضر الناس ومن يلبس على الناس، فلا يتكلم كل من أراد أن يتكلم؛ لأنه قد يتكلم في الضلال وقد يتكلم في إفساد الناس وإفساد عقائد وعبادات الناس، ومثل هذه الأمور إنما تكون من الولاة ونواب الولاة الذين يؤذن لهم ولا تكون ملكاً لأحد؛ لأن عدم تقييدها بترتيب وتنظيم يؤدي إلى الفوضى وإلى أن كل واحد يتكلم بباطله وينشر باطله فيترتب على ذلك فساد الناس.
وقوله: (المختال) يعني: الذي عنده خيلاء وعنده تكبر وحب بروز وظهور وسمعة.