قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحديث عن بني إسرائيل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)].
أورد أبو داود باب الحديث عن بني إسرائيل، يعني: أن يتحدث بأحاديثهم والأشياء التي تؤثر عنهم وتنقل عنهم، وأن مثل ذلك لا بأس به، لكن هذا كما هو معلوم إذا كان في أمور ليس فيها باطل؛ لأن الحديث بالباطل ونشر الباطل لا يجوز، ولكن إذا كان فيه فوائد وفيه أخبار وما إلى ذلك فإن الحديث سائغ، ومعلوم أن أخبار بني إسرائيل إنما تتناقل وليس هناك أسانيد فيها متصلة، وإنما ساغ للناس أن يتحدثوا بما يسمعوا من أخبارهم لكن إذا كان فيها باطل فليس للإنسان أن يذكر ذلك الباطل إلا مفنداً له ومبيناً فساده وأن ذلك لا يليق ولا يصلح، أما أن يذكر ذلك ويسكت عنه فهذا لا ينبغي.
وهذه الترجمة في الحديث عنهم، وأما الترجمة التي سبق أن مضت فهي في حديثهم وكلامهم؛ لأنه تقدم أن ترجم بقوله: باب رواية حديث أهل الكتاب، يعني: كونهم يتحدثون وينقل عنهم، قال فلان كذا، ولكن الذي هنا هو كونه يوجد أخبار في الكتب تنسب إلى بني إسرائيل فإنه يمكن التحدث بها ويمكن تناقلها حيث لا يكون فيها محذور أو أمر لا يسوغ أو يحصل به ضرر، اللهم إلا أن يبين بطلانه ويبين فساده إذا ذكر وتحدث به.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
قوله: (حدثوا) يعني: أنه سائغ لهم، والمقصود هنا الإذن والإباحة، وليس المقصود به الوجوب ولا الاستحباب وإنما الإرشاد والإباحة.
وكون الإنسان يذكر شيئاً من أخبارهم يجوز ذلك مثلما هو موجود الآن في كتب أهل السنة من أخبار بني إسرائيل لاسيما في المواعظ.
وأما الحديث عن بني إسرائيل الموجودين الآن فمن المعلوم أن بني إسرائيل الآن ما عندهم إلا الخبث والشر، والأحاديث التي يتحدث بها هي ما كانت عن بني إسرائيل مما هو موجود في الكتب السابقة، فأما اليهود الموجودون الآن لا يبحث عن كلامهم ولا يتحدث به؛ إذ ليس عندهم إلا الشر والخبث، وإنما المقصود من ذلك ما كان من أخبار المتقدمين التي فيها عبر وفيها عظات وفيها كلام جميل وحكم وما إلى ذلك.