قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل -يعني: ابن سعد - رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله! لأن يهدي الله بهداك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)].
أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (والله! لأن يهدي الله بهداك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وهذا يدل على فضل نشر العلم، وأن من اهتدى على يديه إنسان فهو خير له من حمر النعم.
وقد جاء في ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) فهذا يدلنا على فضل تبليغ السنن وتبليغ الحديث وتبليغ الحق، وأن من دعا غيره إلى الحق والهدى فاستفاد بسببه فالله يأجر هذا المستفيد على عمله، ويأجر الذي أفاده بمثل ما آجره به دون أن ينقص من أجر الفاعل المستفيد شيئاً، بل يعطي الله الدال مثلما أعطى المدلول تفضلاً منه سبحانه وتعالى؛ ولأنه كان هو السبب في وصول هذه السنة وهذا الحق والهدى إلى هذا الإنسان الذي عمل به.
ولهذا كان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام له مثل أجور أمته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة، فله صلى الله عليه وسلم مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دل الناس على الحق والهدى، فله أجور أعماله وله مثل أجور أمته، وبهذا يتبين كونه خير الناس، وأنه سيد الخلق، وأنه أفضل البشر؛ لأن هذه الأجور التي تحصل لأمته على اختلاف العصور والدهور باتباع الحق والهدى الذي جاء به يكون له مثل أجورهم كلهم من أولهم إلى آخرهم، وأحق الناس وأسعد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الثواب هم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين تلقوا السنن عنه وحفظوها وأدوها إلى من بعدهم، فكل صحابي يحفظ سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الناس يتناقلونها ويعملون بها على مر العصور والدهور فالله تعالى يعطي ذلك الصحابي مثلما أعطى كل من عمل بهذه السنة التي جاءت من طريقه والتي رواها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهكذا من جاء بعدهم ممن أخذ عنهم، ودل على الحق والهدى الذي جاء عن طريقهم فإنه يؤجر مثل أجور كل من استفاد خيراً بسببه وبسبب دعوته وتوجيهه وإرشاده.
وهذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حق علي رضي الله تعالى، وهذا من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الراية يوم خيبر وقال له: (ثم ادعهم إلى الإسلام فوالله! لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
والنعم هي: الإبل، وكانت الحمر هي أنفس أموالهم، فخاطبهم بالشيء الذي هو نفيس عندهم، والذي هو معروف عندهم من المال الذي يعتبر أنفسه وأحسنه، وفيه إقسام للتأكيد.
وقوله: (لأن يهدي الله بك) يدخل في ذلك الهداية من الكفر إلى الإسلام ويدخل فيه الهداية من الضلالة ومن الفسق، كل ذلك يدخل، يدخل في ذلك الهداية التي هي الدخول في الإسلام والخروج من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أو أن يكون الإنسان على ضلال وهو من المسلمين ثم يهديه الله عز وجل على يديه فينتقل من الضلالة إلى السنة ومن البدعة إلى السنة، فإن الله تعالى يثيب هذا الذي دعا وأرشد مثلما يثيب ذلك العامل، ولا شك أن هذا خير من المال ومن أنفس الأموال.
ومن قام بتوزيع الأشرطة والكتب والمطويات للناس يعتبر عمله هذا من نشر العلم وإن لم يكن هو طالب علم، ويدخل في حديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً) إذ لا شك أن المتسبب في الخير والموصل الخير إلى الغير ويهتدي الناس بسبب ذلك لا شك أنه شريك في الأجر.