قوله: [عن كثير بن قيس أنه قال: كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء! إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه].
هذا يدل على فضل الرحلة في طلب العلم، وعلى أنهم كانوا يرتحلون ويتحملون المشاق في سبيل الحصول على حديث واحد، والسفر في ذلك الوقت شاق ومتعب؛ لأنهم كانوا يسافرون على الدواب وعلى الجمال، ويمكثون الأشهر والمدد الطويلة مع التعب والنصب والمشقة، فكانوا يرتحلون من أجل الحصول على حديث واحد يذكر لهم أنه عند أحد في بلد من البلدان؛ ولهذا كانت الرحلة في طلب الحديث معروفة مشهورة، وفي تراجم الرجال يقال: رحل إلى الشام وإلى العراق وإلى مصر وإلى الحجاز وإلى اليمن، وكل ذلك بعدما يأخذ حديث أهل بلده ويتعلم على من في بلده، ثم بعد ذلك يبحث عن المزيد فيرتحل إلى مختلف الأقطار، وقد تكون الرحلة في حديث واحد كما في هذا الحديث الذي هنا وفيه: أن رجلاً جاء من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الشام من أجل حديث واحد بلغه أنه عند أبي الدرداء، وقد قيل: إن تحديث أبي الدرداء بهذا الحديث يحتمل أن يكون هذا الحديث هو الذي كان عنده، والذي كان يقصده الناس من أجله، ويحتمل أن يكون إنما أورده لبيان فضل الاشتغال بطلب العلم، والعناية به، والاهتمام به وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليهِ، وكما هو معلوم العلم لا يحصل إلا بالتعب والنصب والمشقة، والعلماء السابقون الذين خلد الله ذكرهم، وبقي الثناء الجميل عليهم إنما كان ذلك نتيجة للجهود العظيمة التي بذلوها في سبيل تحصيل العلم وبذله ونشره، فحصل لهم ذلك الشرف بسبب التعب والنصب والمشقة.
والحاصل: أن هذا يدل على الرحلة في طلب الحديث، وأن الواحد كان يرحل من أجل الحديث الواحد.