قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يحلف على حقه.
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة وموسى بن مروان الرقي قالا: حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن سيف عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)].
أورد أبو داود [باب الرجل يحلف على حقه] يعني: يحلف على الشيء الذي يستحقه، كأن يحلف المدعى عليه أن هذا الذي طلب منه وهو بيده له، وأنه ليس لغيره، فيحلف على حقه، ومعنى ذلك أن الإنسان عليه أن يأخذ بالحزم وأن يحتاط في أموره، وأنه عندما يكون له حق يشهد عليه، أو يكون عنده البينة التي تثبته، وإذا حصل أنه أخذ بالحزم ثم بعد ذلك فاته الشيء الذي يريده، فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما أن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل مع العجز ومع عدم الأخذ بالأسباب، فإن الكيس هو خلاف ذلك، والكيس هو أن الإنسان يأخذ بالأسباب، وإذا فاته الشيء الذي أراده، فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وهذا مثل ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) يعني: استعن بالله عز وجل مع أخذك بالأسباب، ولا تقصر.
(وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل).
ومعنى هذا أن الإنسان مطلوب منه الحزم، ومطلوب منه الاحتياط، ومطلوب منه أنه يحافظ على أموره وشئونه، وأن يأخذ بالأسباب التي يكون فيها حفظ حقه، وإذا فاته شيء بعد ذلك فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما أنه لا يأخذ بالأسباب ثم يقول: حسبي الله ونعم الوكيل مع عجزه وكسله، فهذا هو العجز الذي جاء في هذا لحديث.
وفي هذا الحديث أن الذي قضي عليه لم يأخذ بالأسباب وهو المدعي، أما المدعى عليه فإنه حلف على حقه؛ لأنه بيده، وقال: إن هذا حقي، والمدعي يقول: لا، إنه لي، وليس عنده بينة، وذاك حلف وبقي ما بيده بيده.
إذاً: المدعي قصر؛ لأنه لم يأخذ بالأسباب ولم يحتط ولم يشهد على حقه، فالمدعى عليه هو الذي يحلف ويجوز ما بيده.
قال صاحب عون المعبود في شرح هذه الترجمة [باب: الرجل يحلف على حقه]: أي: الرجل يحلف على إثبات حقه، ولا يضيع ماله بمجرد دعوى أحد، بل يقيم عليه البينة، أو يحلف كما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [(وعليك بالكيس)].
أما المدعي فإن حقه الذي كان يدعيه فات عليه بعدم البينة؛ لأن ذاك المدعى عليه ما عنده إلا اليمين، والمدعي يقول: إن حقي عند فلان، ولكنه ما عنده البينة التي يستخرج بها هذا الحق، فإذاً فاته الحق الذي له بعدم الاحتياط، ولهذا المقضي عليه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، والمقضي عليه هو المدعي حيث لا بينة، إذا حلف المدعى عليه صار مقضياً له، والمدعي هو المقضي عليه، فهو قال: حسبي الله ونعم الوكيل متحسراً على تفريطه، حيث لم يأخذ بالأسباب الواقية له من أن يصل إلى هذا الذي وصل إليه.
قوله: [(إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ)].
العجز هو الكسل وعدم الكيس، والعجز مذموم، والمأمور به الحزم في الأمور، كما جاء في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).
فأمر بقوله: (احرص على ما ينفعك) يعني: بالأخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب يعول على الله عز وجل؛ لأن الأسباب لم يجعلها الله نافعة بذاتها، لكن مع أخذه بالأسباب يعول على مسبب الأسباب، وإن فاته شيء مع بذله ما يستطيع فلا يقل: (لو فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن يقل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
والعجز والكيس شيئان متقابلان، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل شيء بقدر، حتى كسل الكسول ونشاط النشيط، كل ذلك بقضاء الله وقدره، ولا يحصل في الوجود شيء إلا وهو بقضاء الله وقدره.
قوله: [(إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)].
يعني: مع أخذك بالكيس ومع أخذك بالأسباب، فأنت تقول: حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأنك بذلت ما تستطيع، أما أن تهمل ثم تعجز، وتقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلا، لكن خذ بالأسباب وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.