قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القضاء باليمين والشاهد.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا سيف المكي قال عثمان: سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد)].
قوله: [باب القضاء باليمين والشاهد] يعني: يمين المدعي مع شاهد يكون معه يشهد على دعواه، فإنه في هذه الحالة تضم إليه اليمين وتكون بمثابة الشاهدين، ولا تحول إلى المدعى عليه؛ لأنه قد وجد شيئاً يرجح جانب المدعي، وهو الشاهد الواحد، فلم يهدر هذا الشاهد ولكن ضم إليه شيء يقويه وهو يمين المدعي، وأما إذا لم يوجد مع المدعي بينة، فإن اليمين تكون على المدعى عليه وتبرأ ساحته باليمين، وعلى هذا فالبينة إذا حصل شاهدان فيما يتعلق بالحقوق حكم بها، وإن لم يوجد إلا شاهد واحد فتلك بينة لا تهدر، ولكن يضم إليها شيء يقويها وهو اليمين على المدعي، وبهذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد)] أي: يمين المدعي مع الشاهد الذي يكون معه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أضاف إلى الشاهد يمين المدعي وقضى له على المدعى عليه، ولا يقال: إن هذا يعارض ما جاء أن اليمين على المدعى عليه؛ لأن هذا إنما إذا لم يكن مع المدعي بينة تحتاج إلى ما يقويها، أما إذا وجد مع المدعي شيء من البينة التي هي شاهد واحد، فلا تهدر هذه البينة وإنما يضم إليها بينة أخرى تقويها وهي يمين المدعي، فلا يكون الحكم بالشاهد واليمين معارضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه) وذلك لأن اليمين على المدعى عليه إذا لم يكن هناك بينة مع المدعي، أما وقد وجد منه بينة ولكنها غير كافية وتحتاج إلى ما يقويها وهو اليمين فيتوجه اليمين إلى المدعي لا إلى المدعى عليه، وعلى هذا فلا تنافي بين الحديثين، يعني: لا تنافي بين ما جاء بالحكم بالشاهد واليمين، وما جاء بأن اليمين تكون على المدعى عليه.
والأصل أنه لا نطلب اليمين من المدعي عليه إلا إذا عدمت البينة من المدعي، ولا يجوز للقاضي استحلاف المدعى عليه إلا إذا عدم المدعي البينة.