شرح حديث ابن عباس في شهادة أهل الكتاب في السفر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال: (خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: فنزلت فيهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) [المائدة:106] الآية)].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً من بني سهم كان في سفر ومعه تميم بن أوس الداري وكان نصرانياً قبل أن يسلم، وكذلك عدي بن بداء كان أيضاً نصرانياً فمات وأنهما قدما بتركته، ولكنهما أخذا منها جاماً من فضة مخوصاً بالذهب، يعني: أنه مزركش أو على شكل خوص النخل.

فـ تميم وعدي باعا الجام في مكة واقتسما ثمنه وأتيا بالباقي، ووجد الجام بمكة، فسئل من كان عندهم فقالوا: اشتريناه من تميم الداري ومن عدي بن بداء، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قد استحلفهما ثم لما تبين أنهما خائنان وأنهما استحقا إثماً، حلف اثنان من قرابة السهمي وأحدهما عمرو بن العاص أن شهادتهما أحق من شهادتهما، يعني: أحق من شهادة تميم وعدي وأن الجام إنما هو لصاحبهما.

وبعد أن تبين أن تميماً وعدياً هما اللذان باعا الجام ونزلت هذه الآية آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة:106 - 107] يعني: أنهما خانا، فإنه يحلف اثنان من قرابة صاحب التركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم حكم به لقرابته.

قوله: [(خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء)].

يعني: وكانا نصرانيين، أما عدي بن بداء فمات نصرانياًً، وأما تميم الداري فقد أسلم، وهو الذي روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث منها حديث: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه.

قوله: [(فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم)].

ومعلوم أن الإشهاد وأن الوصية تكون لمسلم، والله عز وجل قال: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:106] أي: من المسلمين، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] يعني: إذا لم يوجد من المسلمين فمن الكفار.

قوله: [(فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب)].

يعني: أهله فقدوا الجام وكانوا يعرفون أن عنده هذا الجام الذي هو كأس من فضة مخوص، يعني: أنه على شكل خوص النخل.

قوله: [(فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة)].

فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك وجد الجام، فكانا كاذبين في شهادتهما وحلفهما.

قوله: [(فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي)].

يعني: أن الذين كانوا في مكة أخبروا بأنه دخل عليهما تميم وعدي فباعا منهم هذا الجام الذي كان للسهمي.

قوله: [(فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم فنزلت فيهم: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية)].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015