قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من ترد شهادته.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم).
قال أبو داود: الغمر: الحنة والشحناء، والقانع: الأجير التابع مثل الأجير الخاص].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من ترد شهادته]، من ترد شهادته هو غير العدل المعروف بفسق أو فجور.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة) والمقصود بالخائن هنا الفاسق؛ لأن الفسق ومعصية الله عز وجل وعدم الالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله خيانة، وليس المقصود بالخيانة الخيانة في المال فقط، وإنما المقصود ما هو أعم من ذلك، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]، ومعلوم أن الأمانة هي كل ما ائتمن الله الناس عليه من الحقوق التي هي لله عز وجل، أو الحقوق التي للناس.
وكونه نص على الأنثى مع الذكر في قوله: (الخائن والخائنة) زيادة في الإيضاح والبيان، كما في قوله: ((السارق والسارقة)) ((الزانية والزاني)) مع أن الحكم واحد، وأحياناً يأتي ذكر الرجال والنساء تبع لهم، وأحياناً يأتي التنصيص على النساء والرجال، كما يأتي كثيراً في القرآن ذكر النساء والرجال والذكور والإناث من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات وغير ذلك.
قوله: [(وذي الغمر على أخيه)].
يعني: ذو الحقد والبغضاء على أخيه، والأخوة إما أن تكون أخوة الإسلام وأخوة الدين، أو أخوة النسب، وتوجد عداوة فتكون أعم، ولكن ليس المقصود هنا أخوة النسب بل الأخوة في الإسلام، فيكون سببه عداوة من أجل أمور دنيوية، وقد يحمله الحقد والبغضاء على أن يشهد زوراً أو يكذب ويفجر في شهادته.
قوله: [(ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم)].
يعني: ترد شهادة الشخص الذي هو تابع لأهل البيت، أو الذي هو ملازم لأهل البيت، أو الأجير لأهل البيت؛ لأنه متهم في شهادته، أولاً: من ناحية المحاباة.
ثانياً: من أجل أنه يحصل له منهم إما إحسان أو أجرة.
كذلك من كان مثل هذا الشخص الملازم ومن كان يشبهه فإنه يكون متهماً في ذلك؛ لأنه سيجر إلى نفسه منفعة، وشهادة الوالد لولده، أو شهادة الولد للوالد، أو شهادة الزوجة للزوج كلها من هذا القبيل.
كذلك الأشياء التي لا يشهد فيها إلا القرابات، مثل شهادة الأخ لأخيه، فهذه المسألة كما هو معلوم فيها خلاف بين أهل العلم ليست متفقاً عليها، ولكن الحديث هنا ذكر القانع؛ لأن له علاقة بأهل البيت، وبذلك يكون متهماً.