قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك أخبره: (أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك فقال: يا كعب! فقال: لبيك يا رسول الله! فأشار له بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم فاقضه)].
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أنه كان يتقاضى ديناً على ابن أبي حدرد، وأن كان ذلك في المسجد، وأنه ارتفعت أصواتهما حتى سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج أو ظهر إليهما ورفع السجف أي الستارة عن الباب، ونادى كعب بن مالك وأشار إليه أن ضع النصف من الدين، فقال: قد فعلت يا رسول الله! فقال: قم فأقضه).
وهذا فيه صلح؛ لأنهما اتفقا على أن هذا يسقط شيئاً من الدين الذي كانا يختصمان عليه وهو شيء مؤجل، وأنه يكون هناك حط من الدين ووضيعة منه، ولكن على أن يكون هناك تسديد في الحال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قم فاقضه)؛ لأنه لو لم يقضه لحصل للدائن شيئان: الوضيعة والمطل.
إذاً: كونه أسقط شيئاً من الدين الذي له على خصمه، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من الصلح، ويدل على أنه إذا حصل اتفاق أو صلح على أنه يسقط عنه شيئاً من الدين الذي هو في ذمته فإنه يعطيه الذي اتفقا عليه من بعد الحط وبعد الوضيعة.
وفيه دليل على جواز التقاضي في المسجد، وأن الإنسان إذا كان له حق على إنسان وأعطاه إياه في المسجد أن ذلك لا بأس به، وإنما الذي لا يجوز هو البيع والشراء، وأما كونه بيعاً حاصلاً وشراءً حاصلاً من قبل فلا يضر؛ لأن القضية هي قضية تسديد دين، وذلك لا بأس به لهذا الحديث.