قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما، لم تكن لهما بينة إلا دعواهما فقال: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر مثله، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لك، فقال لهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما ثم تحالا)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في ميراث بينهما، ثم ذكر ما تقدم من قوله: (إنما أنا بشر) كما مر في الحديث السابق، فقال كل واحد منهما: حقي لك.
يعني: ليس لي حق والحق لك، كل واحد تبرأ من هذا الذي ادعاه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق) يعني: بأن يكون القسمان متعادلين ومتساويين.
قوله: [(ثم استهما)] يعني: اعملا القرعة.
قوله: [(ثم تحالا) يعني: ليحلل كل منكما صاحبه.
فهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الخوف من الله عز وجل، وأنه لما ذكرهما صلى الله عليه وسلم وبين أن من حكم له بشيء من حق أخيه فإنما يقطع له قطعة من النار، فكل واحد تبرأ وقال: حقي لك.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى كل منهما تبرأ، وكل منهما خاف، وكان الحق بينهما لا يعدوهما فقال لهما: اقتسماه بينكما نصفين، وتوخيا في القسمة بحيث يكون كل قطعة مماثلة للقطعة الثانية، أو كل جزء مماثل للجزء الثاني، ثم بعد ذلك استهما -أي: يعملان القرعة التي يتميز بها ما يكون لهذا- وما يكون لهذا، ثم بعد ذلك يكون التحالل الذي هو كون كل واحد يحلل للآخر ويبيحه، فتكون هناك براءة ذمة وتخالص مما حصل بينهما من الخلاف، بأن يبيح كل منهما صاحبه، ويحلل كل منهما صاحبه.
ووجه الاستهام أن القسمة لم تكن في شيء موزن، وإنما كان في قطع وأشياء غير موزنة وغير مكيلة.
قوله: [(أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما)].
يعني: كل يدعي أن الحق له وهي مواريث قديمة.
قوله: [(لم تكن لهما بينة إلا دعواهما)].
يعني: ليس عند أحد بينة على الآخر إلا مجرد الدعوى، كل واحد يدعي شيئاً.