قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في هدايا العمال.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثني قيس حدثني عدي بن عميرة الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أيها الناس! من عُمَّل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة، فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذلك: من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى)].
أورد أبو داود باباً في هدايا العمال، وهدايا العمال هي: ما يهدى لهم ويعطون من أجل عمالتهم، والعامل ليس له أن يأخذ ذلك الذي أعطي إياه، وإن أخذه فإنه يكون تابعاً للشيء الذي وكل إليه، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح في قصة ابن اللتبية الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لجباية الصدقة، ولما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا جلس في بيت أمه فلينظر هل تأتيه هديته؟)، لأنه ما أعطي إلا من أجل العمالة ومن أجل الولاية، فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً، وإن أخذ فإنه يتبع الشيء الذي كلف به واستعمل عليه.
وقد ورد في حديث بهذا اللفظ: (هدايا العمال غلول) وهذا حديث صحيح، فهدايا العمال غلول، وهذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث الذي ترجم له المصنف هنا، حيث بين أن هدايا العمال من جملة الغلول، وأن الإنسان إذا استعمل على عمل فإنه يأتي بالشيء الذي كلف به ولا يأخذ شيئاً مقابله، وإنما يأخذ ما يعطى إياه من جهة الوالي، وينتهي عما نهي عنه من جهة الوالي.
وأورد أبو داود حديث عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: [(يا أيها الناس! من عُمَّل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه)].
يعني: من استعمل على عمل فكتم مخيطاً وهو الإبرة فما فوقه وهذا شيء قليل تافه، ومع ذلك لا يجوز أن يكتمه، بل كل شيء يؤديه ولو كان شيئاً يسيراً، والتهاون في القليل يؤدي إلى التهاون في الكثير، والاستعفاف عن الشيء القليل من باب أولى أن يستعف عن الكثير.
قوله: [(فهو غل يأتي به يوم القيامة)].
يعني: يأتي يوم القيامة وهو يحمله، قال عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] يعني: فيكون فضيحة له عندما يأتي وهو يحمله، مثل ما جاء في الحديث: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر).
وكذلك أيضاً الحديث الآخر: (من اقتطع شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين) يعني مقدار هذا الشبر الذي اقتطعه كل ذلك يكون عليه ويأتي به يوم القيامة، حيث يجعل طوقاً عليه يحمله يوم القيامة، ليكون فضيحة له على رءوس الأشهاد.
قوله: [(فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذلك: من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى)].
وهذا الأنصاري رضي الله عنه خاف من هذه التبعة ومن هذه المسئولية، فأراد أن يسلم وأن يبتعد عن أن يعرض نفسه للخطر، وأن يقع في أمر محظور، وقال: (اقبل عني عملك) يعني: أنا ما أريد أن أعمل، قال: (وما ذاك) يعني: ما الذي جعلك تقول هذا الكلام؟ قال: (سمعتك تقول كذا وكذا) قال: نعم وأنا أقوله وأؤكده.