قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب الأقضية.
باب في طلب القضاء.
حدثنا نصر بن علي أخبرنا فضيل بن سليمان حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين)].
قوله: [أول كتاب الأقضية] والأقضية جمع قضاء، والمراد به الإخبار بالحق على وجه الإلزام به.
أي: أن فيه إخباراً وإلزاماً، وذكر الإلزام فيه تمييز بينه وبين الفتوى؛ لأن الفتوى إخبار بالحق من غير إلزام به، والقضاء إخبار بالحق مع الإلزام به.
إذاً: كل من الفتوى والقضاء فيه بيان للحق وإخبار بالحق، ثم يتميز القضاء عن الفتوى بأن مع بيان الحق إلزاماً به، والفتوى ليس مع بيان الحق إلزام به.
قوله: [باب في طلب القضاء] يعني: كون الإنسان يسعى ليحصل القضاء ويطلب القضاء فهذا غير محمود؛ لأن الإنسان قد لا يعان عليه إذا حرص عليه ورغب فيه، ولكن إذا كلف به وطلب منه فهو مظنة لأن يعان عليه وأن يوفق ويسدد، وهذا مثل الولايات كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، في الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة من الأشعريين وبينهم أبو موسى الأشعري، وكان لا يعرف مهمة هؤلاء وما أرادوه من الكلام عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم طلبوا أن يولوا العمالة على الصدقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه).
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين) وهذا فيه بيان خطورة القضاء وشدته، وأنه ليس بالأمر الهين، وأن الإنسان قد يفتتن فيه، وقد يحصل له فيه ما لا تحمد عاقبته، لاسيما إذا كان برغبة منه وبطلب منه، ففي ذلك تحذير من ولاية القضاء، ومعلوم أن هذا حيث لا يتعين على الإنسان، وأما إذا تعين عليه فإنه لابد للناس من قضاة يقضون بينهم ويحكمون بينهم، ولو تركوا بدون قضاة لحصل من الشر ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أما من يكلف بالقضاء فإن ذلك حَري أن يعان، ولكن إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه وحصل على السلامة منه فلا شك أن ذلك خير كثير؛ لأنه جاء فيه هذا الذي يدل على شدته وعلى خطورته، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين) والمقصود منه: أن فيه خطراً على دين الإنسان، والذبح المقصود به الهلاك، فهو ليس كالذبح بالسكين الذي به تلف الجسم وذهابه، ولكن فيه خطورة على دين الإنسان؛ لأنه قد يحصل منه الجور ويحصل منه الحيف ويحصل منه الميل عن الحق، ويترتب على ذلك ضرر كبير للإنسان، وهذا هو المقصود من قوله: (قد ذبح بغير سكين).