قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال: سمعت أبا أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، ولا تنفق المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها، فقيل: يا رسول الله! ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا، ثم قال: العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وهو مشتمل على عدة أمور منها ما يتعلق بالعارية، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)؛ لأن الله قسم المواريث، كما قال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فذكر في الآية الأولى من سورة النساء عمودي النسب الآباء والأمهات والأولاد والبنات.
وذكر في الآية الثانية الذين يرثون بالفرض فقط ولا يكون لهم نصيب في التعصيب، وهم الأزواج والزوجات والإخوة لأم، وذكر في آخر سورة النساء الذين يرثون بالفرض والتعصيب، وهم الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، فالأخوات يرثن بالفرض إذا كن وحدهن، وإذا كان معهن غيرهن من إخوانهن فإنه ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)).
قوله: [(إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)] يعني: بما بينه في كتابه من المواريث، وكذلك ما بينته السنة مع الكتاب في بيان أحكام المواريث.
قوله: [(فلا وصية لوارث)] أي: كما كان موجوداً من قبل، كما قال الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180]، فإنه لا وصية لوارث، وهذا مما جاء نسخه في السنة؛ لأن قوله: ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)) هذا جاء في القرآن نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
قوله: [(ولا تنفق المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها، فقيل: يا رسول الله! ولا الطعام؟ قال: ذلك أفضل أموالنا)].
يعني: لا تنفق الزوجة من ماله ولا من موجودات البيت التي هي ملك للزوج، ولا الطعام الذي هو أفضل الأموال، وهذا يختلف عما كان موجوداً من قبل، فليس لها أن تخرج شيئاً مما في البيت من الطعام أو غيره من مال زوجها إلا بإذنه، سواءً بإذن معين أو مطلق، فإذا أذن لها إذناً معيناً بأن تخرج كذا وكذا تفعل، وإن أذن لها إذناً مطلقاً بأنها تخرج ما مقداره كذا وكذا فلها أن تفعل ذلك.
قوله: [(العارية مؤداة)]، يعني: أنها ترجع وتعاد إلى صاحبها الذي أعارها.
قوله: [(والمنحة مردودة)]، يعني: المنيحة التي يعطيها الإنسان لفقير مثل شاة ليحلبها وليستفيد من حليبها ودرها فإنه يردها إلى صاحبها؛ لأنه أعطاه المنفعة ولم يعطه العين، فالعين للمالك والمنفعة للممنوح، فهو يستفيد منها في حال وجود المنفعة، ثم يردها إلى صاحبها.
قوله: [(والدين مقضي)]، يعني: أنه لازم ومتعين قضاؤه.
قوله: [(والزعيم غارم)] وهو الضامن، فمن ضمن حقاً لإنسان على إنسان فإنه يلزمه، يعني: إذا لم يسدد المضمون عنه يسدد الضامن وهو الغارم أو الزعيم، ولهذا جاء في القرآن: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72]، يعني: أنا ضامن له.