قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تضمين العارية.
حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، ثم إن الحسن نسي فقال: هو أمينك لا ضمان عليه].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في تضمين العارية].
العارية هي: العين التي ينتفع بها، وبعد الانتفاع بها ترد على صاحبها.
وهل تضمن إذا فقدت، أو لا تضمن؟ من العلماء من قال: إنها تضمن؛ لأنها في حوزته فعليه أن يؤديها أو يؤدي مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إذا لم يكن لها مثل.
ومن العلماء من قال: إن يده يد أمان وليس عليه ضمان إلا أن يفرط كالذي تكون عنده الوديعة.
والإمام أبو داود رحمه الله أورد حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، أي: أن هذا لازم عليها، وأنه حق متعين على صاحب اليد الذي عليه أداؤه وإرجاعه، وإذا لم يؤده فإنه يؤدي نظيره ومثيله إذا كان له مثيل أو قيمته إذا لم يكن له مثل.
وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها أبو داود ما يدل على الضمان، وذلك في قصة الأدرع التي استعارها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما فقد بعضها قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبها: (أنا أغرم لك، فقال: لا)، فدل هذا على أنها مؤداة؛ فإن كانت موجودة فبعينها، وإن كانت قد تلفت فإنه يؤدي مثلها، وإن لم يكن لها مثل فإنه يؤدي قيمتها.
وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه هو من طريق الحسن بن أبي الحسن البصري، والمعروف عند العلماء أن في رواية الحسن عن سمرة ثلاثة أقوال، ولكن المشهور: أن الثابت من رواية الحسن عن سمرة هو حديث العقيقة؛ لأنه هو الذي صرح فيه بالسماع، أما غيره فإن الأصل أنه مدلس ولا يقبل إلا ما صرح فيه بالسماع، والذي ثبت تصريحه بالسماع فيه هو حديث العقيقة، وغير هذا مما رواه الحسن عن سمرة يكون من قبيل غير الثابت؛ لأنه روى بالعنعنة وليس سماعه ثابتاً إلا في حديث العقيقة وحده.
قوله: [(على اليد ما أخذت حتى تؤدي)].
يعني: أنه شيء لازم لها ومتحتم عليها أن تؤديه.
قوله: [ثم إن الحسن نسي فقال: هو أمينك لا ضمان عليه].
أي أنه ليس بلازم أن يؤدي، وليس بضامن على كل حال، لكن على القول بأن يد المستعير هي مثل يد الأمين المستودع، وهو لا يضمن إلا إذا فرط، فإذا لم يفرط فإنه لا ضمان عليه، وعلى هذا القول فإنه ليس هناك تنافٍ بين قوله: (أمينك لا ضمان عليه)، وبين قوله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، على اعتبار أن يده يد أمانة وأن عليها أن تؤديه حيث لم يحصل هناك تفريط، أما إذا حصل تفريط فإن الضمان لازم على كل حال.