قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبول الهدايا.
حدثنا علي بن بحر وعبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي قالا: حدثنا عيسى -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قبول الهدايا، أي: في حكم ذلك وأنه سائغ لا بأس به، ذلك في حق من يسوغ له أن يقبل الهدية ككونه ليس عاملاً ولا موظفاً، فإن كان من الموظفين الذين يهدى لهم من أجل محاباتهم ومن أجل تحصيل شيء بسبب ولايتهم ورئاستهم وما إلى ذلك، فإن هذا لا يجوز.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) يعني: كان يقبلها ويثيب عليها بمثلها وأحسن منها، وهذا شأن وطريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودل هذا على أن قبول الهدية حيث يكون المهدى إليه لا يترتب على الإهداء إليه دفع مضرة أو جلب مصلحة، أو أنه من أجل ولايته أو رئاسته أو ما إلى ذلك فإن مثل ذلك لا يسوغ، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فهو إمام المسلمين وسيد الخلق أجمعين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهو معصوم بخلاف غيره فإنه غير معصوم، ولهذا فمن كان والياً أو موظفاً فلا يجوز له قبول الهدية؛ لأنه يحدث بسبب قبولها وبسبب الإهداء إليه أمور لا تصلح ولا تنبغي، ومن أجلها جاء النهي عن ذلك في أحاديث أخرى كما جاء في قصة ابن اللتبية الذي ذهب لجباية الزكاة فكان يهدى إليه، فلما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا جلس في بيت أمه حتى ينظر هل تأتي إليه هديته؟)، يعني: أن الهدية لم تأت من أجل شخصه، وإنما جاءت من أجل مهمته وولايته، فدل هذا على أن الهدايا للعمال لا تجوز وأنها غير سائغة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، والإثابة هي إعطاء شيء في مقابلها مثلها أو أحسن منها.
ومعلوم أن الهدايا تختلف، فقد تكون مثلاً هدية من كبير إلى صغير، أو من غني إلى فقير، وهذه ليس فيها مقابلة ولا إثابة إلا الدعاء، ولو أن إنساناً فقيراً أعطى لشخص كبير شيئاً وهو يرغب من ورائه بأن يحصل شيئاً أكثر فهذا هو الذي يثاب عليه، وهذا هو الذي يعطى في مقابل الهدية مثلها أو أكثر منها.