قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء.
حدثنا نصر بن علي عن أبي علي الحنفي عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه).
قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من وَرِق ثم ألقاه) والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام].
ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل فيه الخلاء.
وهذه الترجمة المقصود منها: أن ما كان فيه ذكر الله عز وجل هل يدخل به الخلاء أو لا يدخل به في محل الخلاء أو محل قضاء الحاجة؟ وهذا يقال فيه: إن الأولى والذي ينبغي أنه إذا تيسر ألا يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله فليفعل، ولكنه إذا حصل أمر يقتضي ذلك فإنه لا بأس بذلك، لكن حيث أمكن ألا يدخل بشيء فيه ذكر الله فهذا هو الذي ينبغي.
ولكن إن دعت إلى ذلك الحاجة فإنه لا بأس بإدخاله مع الإنسان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه خاتم مكتوب فيه (محمد رسول الله) (محمد) سطر، و (رسول) سطر، و (الله) سطر، وهذا فيه ذكر الله؛ لأنه مكتوب فيه (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم؛ ومن أجل ذلك قال في الترجمة: فيه ذكر الله.
ثم أورد حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)، يعني: أنه لا يدخل به الخلاء، وإنما يدخل بدون الخاتم؛ وذلك لأن فيه ذكر الله عز وجل.
فأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا، وأنه كان صلى الله عليه وسلم يضع الخاتم.
ثم بعد ذلك قال أبو داود: إنه حديث منكر.
وبين أن المعروف أنه عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري، عن أنس: (أنه اتخذ خاتماً من ورق فألقاه).
والفرق إنما هو في وضع الخاتم عند دخول الخلاء، كما جاء في حديث الطريق الأولى التي هي: همام عن ابن جريج، ولكن قال أبو داود: إن الحديث منكر، والوهم فيه من همام، والمخالفة فيه من همام، مع أن هماماً ليس من الضعفاء، والمشهور في تعريف المنكر: رواية الضعيف مخالفاً الثقة، وهمام ليس بضعيف، ولكنه من الثقات، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة ربما وهم.
قالوا: ولعل المقصود بذلك: التوسع في معنى المنكر، وهو ما فيه المخالفة من الثقة لمن هو أوثق منه، ومن الضعيف للثقة، وعلى هذا فيكون المقصود به: الشاذ؛ لأن مخالفة الثقة للثقات يسمى شاذاً ولا يسمى منكراً، لكن بعض أهل العلم يتوسع في إطلاق المنكر على ما فيه المخالفة.
قالوا: وهذا يتفق مع هذا التوسع، وهو أنه لا توجد هنا المخالفة؛ لأنه ليس هنا ضعيف خالف ثقة، وإنما ثقة خالف من هو أوثق منه.
ولهذا فإن بعض أهل العلم قال: إن أبا داود نوزع في بيان أنه منكر، وأنه ليس فيه إلا تدليس ابن جريج، فإنه مدلس، فإن صرح بالسماع فإنه يصحح، وإلا فإن العلة فيه ليست من همام، وإنما هي من تدليس ابن جريج.
وأما الحكم فهو أنه حيث أمكن ألا يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل فهذا هو الذي ينبغي، ولكن إذا احتيج إلى ذلك أو دعا الأمر إلى ذلك -كأن خيف أن يسرق ذلك الشيء الذي فيه ذكر الله عز وجل لو وضعه في الخارج- فإنه يدخل به ولا بأس بذلك، وقد عمت البلوى في أن الناس لابد أن يكون في جيوبهم شيء فيه ذكر الله عز وجل من الأوراق النقدية وغير النقدية، فالدخول بها الخلاء مما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن التحرز منه.