قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ح وحدثنا النفيلي حدثنا زهير المعنى عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره)].
أورد أبو داود: باب في الرجل يفلس فيجد متاعه بعينه عنده، يعني: فيكون أحق به من الغرماء؛ لأن المفلس عندما يكون عنده عدة غرماء دائنون، ثم يجد أحدهم متاعه في حوزته فإنه يكون أحق به ولا يكون مشتركاً بينه وبين الغرماء؛ لأن الغرماء لهم حق الاشتراك فيما يكون في حوزة المدين المفلس الذي ليس عنده شيء، لكن إذا كان أحد الغرماء نفس متاعه موجود بعينه فهو أحق به ولا أحد يشاركه فيه فيأخذه ويختص به، ولا يكون أسوة الغرماء.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره).
قوله: (أيما رجل أفلس) يعني: وعنده غرماء وقد وجد أحد الغرماء متاعه عند المفلس فهو أحق به من غيره، ولا يقول الشركاء: لنا فيه نصيب، فيباع ويقسم قيمته علينا, لا؛ فإن هذا يختص به صاحبه؛ لأن العين التي يستحقها صاحبها موجودة بعينها؛ فإنه يأخذها ولا يشاركه فيها غيره، ولا يوافق الشركاء على طلبهم أن لهم فيه نصيباً باعتبارهم غرماء.
ثم المفلس هو الذي ليس عنده شيء, أو أن عنده أشياء تافهة وهي الفلوس, والفلوس هي أقل شيء في العمل فليست من ذهب ولا فضة، ولكنها مثل القروش أو الأشياء التي ليست لها قيمة، فيقال ذلك للمفلس الذي ليس عنده شيء، أو لأنه نزل مستواه إلى أن صار من أصحاب الفلوس التي هي الأشياء التافهة البسيطة وفي هذا يقول الشاعر: لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس يعني: تقدم لشرائها لهبوط قيمتها، فقد صارت تباع بالفلوس التي هي الأشياء التافهة التي تكون بأيدي الذين ليس عندهم شيء، (حتى سامها) أي: تقدم لشرائها كل مفلس؛ لأنها قد أصابها هزال حتى بدا من هزالها كلاها، أي: طلعت كلاها مع الجوانب حتى تقدم المفلسون لشرائها؛ لأن مستواها نزل حتى صارت تشترى بالأشياء التافهة، ولهذا يقال للذي عنده الفلوس مفلس، وهي الجزئيات اليسيرة التي هي دون الذهب والفضة، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع)، أي: ليس عنده شيء, فالرسول صلى الله عليه وسلم بين المفلس حقاً، وهو أشد إفلاساً من هذا وهو مفلس الآخرة (يأتي بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئات من ظلمهم فطرح عليه ثم طرح على النار).