قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الإقالة.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في فضل الإقالة، أي: الإقالة في البيع، بأن يندم المشتري بعد أن يلزم البيع، فيرغب إلى البائع أن يقيله، بمعنى أنه يترك البيع بحيث ترجع إلى هذا نقوده، وذاك يأخذ سلعته، أو العكس: بأن يكون البائع هو الذي ندم، فيطلب من المشتري الإقالة بحيث يرد عليه النقود ويأخذ منه السلعة التي باعها عليه، هذه هي الإقالة.
ومعناها أن البيع لزم واحتيج إلى الفسخ بموافقة الطرفين؛ لأن أحد الطرفين لا يملك الفسخ بمفرده بعد أن يلزم البيع، فإذا ندم أحدهما وطلب من الآخر أن يعفيه من هذا البيع وأن يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل البيع.
وقد ورد في فضلها والترغيب فيها هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) أي: من أقال مسلماً بيعته لكونه ندم على البيع -سواء كان البائع أو المشتري- وطلب من الآخر أن يلغي البيع ويرجع السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري، فإن هذا فيه فضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقال الله عثرته) أي: يوم القيامة.
وهذا الحديث فيه بيان أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن العمل إقالة البيع، والجزاء إقالة العثرة يوم القيامة، وهو التجاوز عن الذنوب، فهو من الأدلة الدالة على أن الجزاء من جنس العمل، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).