شرح حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في خيار المتبايعين.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار)].

أورد أبو داود باباً في خيار المتابعين، والخيار هو كون كل واحد من المتبايعين أو أحدهما له حق الاختيار في مدة معينة، إما وقت المجلس، أو المكان الذي تم فيه البيع، أو يشترط أحدهما أو كل منهما الخيار لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام.

وخيار الشرط وخيار المجلس كل منهما صحيح وثابت، وإذا اتفقا على إمضاء البيع في المجلس واختارا عدم ثبوت خيار المجلس فلهما ذلك.

وإما إذا تم البيع وحصل السكوت وليس هناك اتفاق على إسقاط خيار المجلس فإنه يثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا بالأبدان، وينفض الاجتماع الذي كانا فيه، وهذا هو التفرق بالأبدان، وهو الذي دل الدليل على أنه هو المقصود.

وبعض أهل العلم يقول: إن المقصود التفرق بالكلام، فإذا تم البيع في المجلس ثم صار هناك كلام آخر ليس له علاقة بالبيع؛ فهذا تفرق، ولا خيار لهما في المجلس.

ولكن هذا غير صحيح، فالتفرق المراد به بالأبدان، وسيأتي ما يدل عليه، وأنه لو طال الجلوس ولو لمدة يوم وليلة وما تفرقوا فإن خيار المجلس ثابت لهما ما داما جالسين لم يحصل بينهما الفراق.

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار) ما لم يفترقا، أي بأبدانهما، بأن ينفض الاجتماع وكل يذهب إلى جهته، وعند ذلك يستقر البيع، وأما قبل أن يحصل انفضاض المجلس فكل واحد منهما له أن يترك البيع، وكذلك لو انفض المجلس وقد اشترطا أن يكون لهما الخيار مدة ثلاثة أيام مثلاً، فإنه يعتبر الشرط، ويتم البيع عند انتهاء مدة الشرط، وإذا اتفقا في المجلس على إسقاط خيار المجلس بأن قال أحدهما للآخر: اختر أن البيع قد تم، فإنه يعتبر، ويدل عليه قوله: (إلا بيع الخيار)، فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما يقول لصاحبه: اختر، ويحتمل أنه إذا حصل بينهما اتفاق على أن الخيار يمتد بعد المجلس إلى مدة ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو أربعة أيام فإن الأمر يكون على حسب ما يتفقان عليه.

وقد شرع الخيار لأن الإنسان قد يحصل له في المجلس شيء من الندم أو عدم الارتياح للعقد، فيكون بإمكانه أن يتخلص من هذا البيع ما دام في المجلس.

أما إذا تفرقا ثم ندم فقد تم البيع فلا رجوع، ولكن يستحب للآخر أن يقيله، ولا يلزمه ذلك.

أما إذا تبين في السلعة وجود عيب كان موجوداً من قبل، وليس طارئاً، فهذا يسمى خيار العيب وهو غير خيار الشرط وخيار المجلس.

وبعض التجار يكتب في محله: البضاعة لا ترد ولا تستبدل، وهذا هو الأصل، إلا إذا كان في السلعة عيب فيلزمه إرجاعها، وإلا فقد تم البيع بمجرد تفرقهم، لكن إذا وافق البائع على الرد أو الاستبدال فله ذلك، وإن لم يوافق فلا يلزم بذلك.

والبيع والشراء من خلال الهاتف جائز، ويعتبر انتهاء المكالمة تفرقاً بالأبدان، فلهما خيار المجلس مدة المكالمة، وبعد انتهائها ينتهي خيار المجلس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015