قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة -يعني: الفأفاء- عن البهي عن عروة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر، بعد أن ذكر الترجمة السابقة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام إلا بعدما توضأ أو تيمم.
ومن المعلوم أن الوقت الذي بين قضاء الحاجة وبين التيمم أو الوضوء يجوز للإنسان أن يذكر الله عز وجل فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم ما حصل منه رد السلام إلا بعد الوضوء أو التيمم، وهذا فيه إشارة إلى الأكمل، وأن الإنسان إذا ذكر الله في حال طهارته فهذا أكمل وأفضل.
وبعد هذا أورد هذه الترجمة الدالة على جواز ذكر الله عز وجل على غير طهارة، لكن ليس في حال قضاء الحاجة، ففي حال قضاء الحاجة لا يرد الإنسان السلام، ولكن فيما بين قضاء الحاجة وبين الوضوء أو التيمم يجوز للإنسان أن يذكر الله عز وجل.
فأورد أبو داود رحمه الله هذا الباب بعد الباب الذي قبله إشارة إلى أن ما جاء في الباب الذي قبله إنما هو إشارة إلى الأكمل، وفي هذا الباب إشارة إلى الجواز وعدم الحرج، وأنه لا بأس بذلك، وأن الذكر قبل الوضوء خلاف الأولى، ولكن ليس من قبيل التحريم، وإنما الأولى والأفضل والأكمل أن يكون الذكر على طهارة، ولكن ذكر الله عز وجل على غير طهارة جائز لحديث عائشة هذا الذي أورده أبو داود رحمه الله.
وكثيراً ما يأتي في التراجم وفي الأحاديث ذكر الرجل، ولا مفهوم له، بمعنى: أن حكم المرأة لا يخالف حكم الرجل، بل حكم الرجل والمرأة واحد، والأحكام هي للرجال والنساء، ولكن يذكر الرجال في التراجم ويأتي ذكرهم في الأحاديث بلفظ الرجل أو الرجال؛ لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال؛ لا لأن الحكم يختص بالرجال؛ فبعض الرجال لا يذكر الله على كل أحيانه وبعض النساء كذلك.
وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها ذكر الرجال، ولا مفهوم لذكر الرجال، بمعنى: أن النساء ليس لها حكم آخر، بل حكم النساء هو حكم الرجال، والأصل هو تساوي النساء والرجال في الأحكام، إلا ما جاء يخص الرجال دون النساء، وما جاء يخص النساء دون الرجال، فعند ذلك يصار إلى التفريق، أما حيث لا تفريق وحيث لا يأتي شيء يدل على أن هذا خاص بالرجال أو هذا خاص بالنساء فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء.
وقد جاءت جملة كبيرة من الأحاديث في هذا المعنى الذي هو ذكر الرجل، ولا مفهوم له، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة التي تصوم صوماً تداوم عليه فلها أن تصوم.
فقوله: (إلا رجل) هذا لا مفهوم له، بل المرأة مثل الرجل.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس…)، كذلك المرأة إذا كانت مفلسة وقد بيع لها شيء والمبيع موجود عندها فالذي وجده من الغرماء أحق به، سواء وجده عند رجل أو عند امرأة، فقوله: (من وجد متاعه عند رجل) لا مفهوم للرجل، فالمرأة مثل الرجل.
وعلى هذا فالقاعدة: أن أحكام الرجال والنساء واحدة، ولا يختص الرجال بحكم دون النساء، ولا النساء بحكم دون الرجال، إلا إذا جاء شيء يدل على التخصيص؛ إما لأنها أحكام تتعلق بالنساء أو لأنها أحكام يفرق فيها بين الرجال والنساء.
وهذه الأحكام التي يفرق بها بين الرجال والنساء كثيرة، وقد أشرت إلى جملة منها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، وهذه هي الفائدة الوحيدة التي ما عزوتها إلى كتاب؛ لأنني لم أنقلها من كتاب، ولكنني كنت أدون ما يعرض لي من فروق بين الرجال والنساء، فتجمعت جملة كبيرة، فأوردتها في ذلك الكتاب، وهي غير معزوة إلى أحد؛ لأنها مسائل كثيرة يفرق فيها بين الرجال والنساء، فهي الفائدة الوحيدة التي لم تنسب ولم تعز إلى مصدر أو كتاب معين، وهي جملة كبيرة من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء، ويفرق فيها بين الرجال والنساء.
والحاصل: أن ذكر الرجل في التراجم وكذلك في الأحاديث لا مفهوم له، وإنما المقصود من ذلك: أن الغالب أن الخطاب مع الرجال دون النساء.
وبعد ذلك أورد حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه).