حكم المضاربة

المضاربة من أنواع الشركة، وهي: أن يكون رجل عنده مال، وآخر ليس عنده مال، ولكن عنده قدرة على العمل، فيشتركان، هذا برأس المال وهذا بالعمل.

وسميت مضاربة لأنها تحتاج إلى الضرب في الأرض بالأسفار والانتقال لتنمية المال، ولا خلاف بين أهل العلم في جواز المضاربة، وابن تيمية رحمه الله يقول: مسائل الإجماع تستند إلى نص، وقال بعض أهل العلم: ما من مسألة أجمع عليها إلا ولها نص هي مستندة إليه إما جلي وإما خفي.

قيل: والمسألة التي ثبتت بإجماع مجرد وليس فيها نص هي المضاربة، لكن المضاربة قد ورد فيها نص، وهي أنها من المعاملات التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، فإقرار الإسلام لها هو النص؛ لأن السنة قول وفعل وتقرير، فإذاً الإجماع عليها مستند إلى نص، وهو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم للمضاربة التي كانت في الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقرها وأبقاها، ومعلوم أن من أعمال الجاهلية ما أبطله الإسلام، ومنها ما أقره الإسلام، ومما أقره هذه المسألة، واعتبار الولي في النكاح، كما قالت عائشة: كان الرجل في الجاهلية يأتي إلى الرجل ويطلب منه موليته فيزوجها إياه، وجاء الإسلام واعتبر الولي في النكاح، فهو من الأحكام التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، والمضاربة من هذا القبيل.

والمضاربة تكون بعمل من أحدهما وبمال من الآخر، ويكون الربح بالنسبة التي يتفقان عليها، ولا يكون بمقدار معين، فلا يقول: لي كذا والباقي لك، فهذا لا يصح؛ لأنه قد لا يحصل إلا هذا الذي اشترط لأحدهما، فيكون الثاني ليس له شيء، وإنما تكون بالنصف أو الثلث أو الثلثين أو الربع أو ثلاثة أرباع، على حسب ما يتفقان عليه.

ومثل ذلك المزارعة والمساقاة تكون على النصف والثلث والثلثين، وهي بمعنى المضاربة، وقد جاءت فيها نصوص.

ومثل ذلك لو أن إنساناً أعطى إنساناً سيارته الأجرة وقال له: اشتغل عليها والربح بيني وبينك نصفان، فهذا صحيح.

والخسارة في المضاربة تكون على صاحب رأس المال وليست على العامل، والعامل خسارته عمله الذي ضاع بدون مقابل، فكل منهما قد يخسر، العامل خسر جهده بدون مقابل، والمالك ضاع رأس ماله أو بعض رأس ماله، ولا يجوز أن يحمل العامل ضمانة رأس المال لو خسر، وهذا شرط باطل، واختلف العلماء هل هذا الشرط يبطل العقد من أصله، أم يلغى الشرط والعقد باق؟ ومثل هذا الشرط باطل بإجماع العلماء، وإنما الخلاف بينهم هل يبطل العقد من أصله أو أن الشرط هو الذي يبطل والعقد باق، ويكون مثل قصة بريرة عندما اشترط أهلها الولاء، فأقر الرسول صلى الله عليه وسلم البيع وأبطل الشرط.

وهذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب فيها وكالة وليس فيها مضاربة، فمناسبتها للباب من باب القياس؛ لأن الكل تصرف بغير إذن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015