قال المنصف رحمه الله تعالى: [باب الشركة.
حدثنا محمد بن سليمان المصيصي حدثنا محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال: (إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الشركة، والشركة: هي الاشتراك في تجارة، سواء قدم كل منهما منه مالاً وعملاً أو يكون من أحدهما المال والثاني منه العمل، أو ليس بأيديهم مال، ولكن عندهم عمل، فيشتغلون بأبدانهم، فكل هذه من الشركة.
والأصل فيها الجواز؛ إلا إذا وجد شيء أو شرط يؤدي إلى أمر فيه غرر أو محذور.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما) والمقصود من ذلك أن الله مع الشريكين في تسديده وإعانته وتوفيقه ما داما صادقين، ولم يكن هناك خيانة، فإن لم يحصل الصدق يمنعا من البركة بسبب الخيانة التي حصلت منهما أو من أحدهما.
وهذا الحديث القدسي من أحاديث المعية، والمعية عند العلماء نوعان: معية عامة ومعية خاصة، والمعية الخاصة هي التي تكون من الله عز وجل بالحفظ والكلاءة والإعانة والتسديد والتوفيق، والمعية العامة هي التي تكون لكل أحد، ولا يختص بها أحد دون أحد.
ومن المعية الخاصة ما جاء في هذا الحديث، ومنها ما جاء في قصة أبي بكر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في طريق الهجرة لما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر في الغار، وكان الكفار يبحثون عنهما، فوصلوا إلى باب الغار، فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر يريان أقدام الكفار، فقال أبو بكر: لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدمه لأبصرنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) يعني: بحفظه وتسديده وإعانته.
وأما المعية العامة فهي مثل قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، فهذه معية عامة تكون لكل أحد، وأما المعية الخاصة فهي التي تكون بالنصر والتأييد والتسديد والتوفيق.
وهذا الحديث فيه ضعف، لكن لا شك أن الصدق سبب لحصول البركة، وأن الخيانة والكذب سبب من أسباب محق البركة.