قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في الدين.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن سمعان عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟! أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه.
فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)].
قوله: [باب في التشديد في الدين] أي: أن الإنسان عندما يتحمل الدين فأمره ليس بالهين وليس بالسهل، وليس للإنسان أن يقدم على الدين إلا إذا كان مضطراً إليه، وإذا اضطر إليه فليحرص على أن يوفي به.
وقد جاءت أحاديث عديدة تدل على التشديد فيه، وتبين خطورته، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغفر للشهيد كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً).
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ههنا أحد من بني فلان؟ فأعادها ثلاثاً، فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، قال: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين، أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً) يعني: أن الرجل خشي أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام ذكرهم لشيء غير محمود.
قوله: [(إن صاحبكم مأسور بدينه)].
يعني: رجل من قرابة هذا الشخص الذي هو من بني فلان مأسور بسبب دينه، أي: محبوس عن دخول الجنة.
قوله: [(فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)].
أي: هذا الشخص الذي قام أدى عن هذا الشخص المأسور حتى لم يبق يطالبه أحد.
وفيه إشارة إلى أن القرابة يشرع وينبغي لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض، وأن يواسي بعضهم بعضاً، وأن يساعد بعضهم بعضاً، وهذا من صلة الأرحام.
وهذا الحديث مثل حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)، وفي حديث أبي قتادة قال عليه الصلاة والسلام: (الآن بردت جلدته) عندما قضى دين الميت، ومعلوم أنه قبل دخول الجنة تكون المقاصة بين من يستحقون الجنة بعدما يتجاوزون النار؛ فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض، وهذه المقاصة تكون بالحسنات، وهم قد تجاوزوا النار فلن يدخلوها، ولكن يبقى التفاوت بينهم في درجات الجنة، فيؤخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، والنتيجة التي تترتب على هذا الأخذ هي ارتفاع الدرجات.