قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، قال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه)].
أورد المصنف حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ رأى رجلاً قائماً في الشمس، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يتكلم، ولا يستظل، ويصوم).
يعني: أنه نذر أن يمتنع عن الكلام، فلا يكلم أحداً، ولا يجلس، وأن يكون واقفاً في الشمس، ويصوم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك هذه الأشياء التي نذرها وقال: (مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه).
فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينهوه عن ثلاث، وأن يأمروه بواحدة وهي إتمام الصوم؛ لأنه يطيق الصوم؛ ولأنه نذر طاعة، وأما تلك ففيها مشقة على النفس، وفيها تكليف، وفيها ضرر، فليست نذر طاعة، فأمره بتركها، وأمره أن يكون في الظل بدلاً عن الشمس، وأن يجلس بدل القيام، وأن يتكلم بدل السكوت؛ لأن هذه الأمور ليس له أن يفعلها، وأن يلزم نفسه بها؛ لأنها من الإضرار بالنفس، والإضرار بالصحة، وليس فيه قربة لله عز وجل، وأما الصيام ففيه قربة، فأمرهم أن يأمروه أن يتم الصوم، وأن يترك هذه الأمور التي فعلها، وأن يصير إلى أضدادها.
وليس في الحديث أنه أمره بالكفارة، وبعض أهل العلم الذين لا يرون الكفارة استدلوا بهذا الحديث وأمثاله على عدم الكفارة، وقالوا: إنه لم يذكر الكفارة، إذاً: لا كفارة في نذر المعصية، ولكن قد جاء ذكر الكفارة في أحاديث أخرى، فهي ثابته، وعدم ذكرها في هذا الحديث لا يدل على نفيها، بل الأدلة الدالة على إثباتها هي المعتبرة، وهي التي يعول عليها؛ لأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.