قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن النذور.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد ح: وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن عبد الله بن مرة قال عثمان: الهمداني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر -ثم اتفقا - ويقول: لا يرد شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل).
قال مسدد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر لا يرد شيئاً).
] قوله: [باب النهي عن النذور]؛ لأن الإنسان عندما يريد أن يحسن وأن يتصدق وأن يقوم بعمل صالح فعليه أن يأتي به مخلصاً لله مقبلاً على الله, يفعل ذلك ابتغاء وجه الله, ولا يعلق فعله بشيء ويلزم نفسه به, ويقول: إن حصل كذا فإنه يفعل كذا وكذا، ثم بعد ذلك إذا حصل هذا الذي علق النذر به يتردد في الفعل ويبحث عن الخلاص من التنفيذ، وإذا نفذه نفذه ونفسه كارهة، فإن هذا لا يليق.
وهذا هو السبب الذي جاء من أجله النهي عن النذر وكراهيته, والنذر إذا كان طاعة فإنه يجب الوفاء به, وإذا كان معصية فلا يجب الوفاء به وعلى الإنسان في ذلك كفارة يمين.
والحاصل: أن الإنسان عندما يريد أن يعمل عملاً صالحاً فيعمله ابتداءً من غير أن يعلقه على شيء ومن غير أن يربطه بشيء؛ لأنه عندما يأتي للتنفيذ قد يفقد الإخلاص أو ينقص؛ وذلك لأنه يكره أن يفعل هذا الفعل، فيفعله وهو كاره, ونفسه لا تسمح به, ولكنه يؤديه لأنه ألزم نفسه به, ولا يؤديه بارتياح وطمأنينة وفرح وسرور بالقربة إلى الله عز وجل, وإنما تخلص من الالتزام الذي التزمه.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر)؛ وذلك لما يترتب عليه من هذه الأمور التي أشرت إليها, وهي كون الإنسان يعمل العمل وهو كاره له, ونفسه غير مطمئنة إليه, وإذا كان النذر يتعلق بمال فقد يشح به, وقد يحصل من البخيل أن ينذر ولا يفعل ابتداءً, فألزم نفسه بشيء يستخرج به منه بسبب النذر الذي ألزم نفسه به, فهو لا يريد أن يتصدق, ولكنه ألزم نفسه بشيء إن حصل له كذا وكذا ثم عند التنفيذ تكره نفسه وتأبى ويستخرج به منه, وقد يفعل ذلك قهراً ومن غير اختياره؛ لأن ذلك شيء لازم وواجب عليه, وإذا لم يفعله في حياته فإنه يخرج بعد وفاته؛ لأنه دين لازم عليه يجب الوفاء به, فإن كان حياً يلزمه ذلك, وإن مات فإنه يخرج من التركة.
وقوله: (لا يرد شيئاً) أي: لا يرد الشيء الذي علق نذره عليه, فكون الإنسان يقول: إن شفى الله مريضي لأتصدقن بكذا وكذا, أو لله علي كذا وكذا, فإن هذا لا يرد قضاء الله وقدره, والذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد أن يكون, ففعله هذا لا يغير قضاء الله وقدره, بل قضاء الله وقدره نافذ سواء نذر أو لم ينذر.
وقوله: (وإنما يستخرج به من البخيل) أي: لأنه ألزم نفسه به؛ لأن البخيل لا ينفق ولكنه ألزم نفسه إن حصل كذا وكذا، وقد حصل ذلك الشيء, فاستخرج به من ماله شيء هو لا يريد أن يخرجه, ولكنه ألزم نفسه به, فخرج من غير اختياره, ومن غير رغبته.