قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد.
حدثنا محمد بن عيسى وهناد بن السري المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)، فقال الأشعث رضي الله عنه: في والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال: لليهودي: احلف، قلت: يا رسول الله! إذاً يحلف ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:77]، إلى آخر الآية)].
قوله: [باب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد]، أي: ليأخذ مالاً لغيره بسبب يمين هو فيها فاجر كاذب، فمن أجل أن يحصل على مال غيره حلف هذه اليمين، وهذا أمره خطير، وقد توعد من كان كذلك بالعقوبة الشديدة، فقد ورد في حقه وعيد شديد، ولهذا جاء في هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان)، أي: من يفعل كذلك، ففيه تغليظ شديد في هذا الأمر.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنهما في ذلك، أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان).
وهذا يدل على عقوبته، وأن فعله هذا يكون سبباً في غضب الله عليه، وفيه أيضاً إثبات صفة الغضب لله، فنثبت صفة الغضب لله عز وجل على ما يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات، حيث يجب إثبات كل ما جاء في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات لله تعالى على وجه يليق بكماله وجلاله دون تشبيه بخلقه، ودون تأويل أو تعطيل أو تكييف، بل على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
فهذا يدل على خطورة الحلف على الكذب والفجور، ويدل أيضاً على أن كون الإنسان يأخذ مال غيره بالحلف الفاجر الكاذب أن ذلك يؤدي إلى غضب الله عليه يوم يلقاه، فيكون مستحقاً للوعيد الذي يعاقبه الله تعالى به.
قوله: [قال الأشعث بن قيس: في والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف.
قلت: يا رسول الله! إذاً يحلف ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} [آل عمران:77])].
أي: أن هذا الذي جاء في هذا الحديث: (أن من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وعليه غضبان)، حصل للأشعث شيء من هذا القبيل، حيث قال: (كان بيني وبين يهودي أرض فجحدها اليهودي، فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف.
فقلت: إذاً يحلف، ويذهب بمالي) أي: ما دام أن المسألة مجرد حلف فإنه سيحلف ويأخذ مالي، قال: فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77]، فهذه الآية تدل على عقوبة من اشترى بعهد الله وباليمين الفاجرة الكاذبة شيئاً قليلاً من حطام الدنيا، سواء كان قليلاً أو كثيراً، فإن هذه عقوبته، وسوف يلقى الله عز وجل فلا يكلمه ولا ينظر إليه ولا يزكيه، وله عذاب أليم، فيحصل له هذا الوعيد الشديد الذي جاء في هذه الآية الكريمة، وفي هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته وعليه.