قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن يزيد بن جابر - عن بسر بن عبيد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)].
أورد أبو داود حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)، وهذا فيه النهي عن الجلوس على القبور، وعن الصلاة إليها، أي: أن يقصدها الإنسان بالصلاة، فيجعلها أمامه ليصلي لله عز وجل مستقبلاً لها، كل ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مرّ في الجلوس ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: هو الحديث الذي فيه النهي عن التجصيص والبناء، والحديث الثاني هو الذي فيه ذكر الوعيد، والحديث الثالث هو هذا الحديث الذي فيه النهي عن الجلوس على القبور: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها).
وهذا يدل على أن استقبالها بالصلاة لا يسوغ ولا يجوز، ويدل أيضاً على أن فعل بعض الناس الذين يأتون إلى المسجد النبوي المبارك فيتركون الصفوف الأول، وربما أتوا مبكرين، ويصلون خلف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يدل على أنهم واقعون في هذا الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى القبور، وهؤلاء يتعمدون الصلاة إليها، فيكونون بذلك مخالفين أو واقعين فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان بين القبر وبين المصلي حاجز من جدار أو نحوه، فما دام أنهم يتعمدون الصلاة وراء القبر فيشملهم النهي.
وبعض الناس قد يسألون عن امتداد الصفوف -خاصة في العيدين- إلى جهة البقيع، فنقول: على الإنسان ألا يتعمد الصلاة وراء القبر، وعليه أن يتخير المكان المناسب، ولا يفعل كبعض الناس الذين يأتون والمسجد خالي فيتعمدون أن يأتوا إلى هذا المكان الذي فيه القبر، وأما إذا كان الإنسان لا يدري أن أمامه قبر، أو لم يتعمد ذلك فهو معذور.