قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في البناء على القبر.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى أن يُقعد على القبر، وأن يقصَّص، ويُبنى عليه)].
قوله: [باب في البناء على القبر]، أي: أنه حرام لا يجوز، وقد جاءت عدة أحاديث تدل على منعه ومنها هذا الحديث، وقد دُفن الرسول صلى الله عليه وسلم في البنيان، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الأنبياء يدفنون في المكان الذي ماتوا فيه، وقد جاء في الحديث: (إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون)، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم في البنيان دُفن في المكان الذي مات فيه، فيكون ذلك من خصائصه.
وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن لهيعة عندما ذكر الحديث الذي فيه: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً)، ذكر أن الدفن في البنيان من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه ليس لأحد أن يدفن في البنيان، ولا أن يبنى بناء على القبر، إذاً فلا يسوغ البنيان على القبور، ولا دفن الموتى في البنيان: لا في المساجد ولا غير المساجد.
وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد على القبر) أي: أن يجلس عليه، وهذا فيه امتهان للميت، (وأن يُقصَّص) أي: أن يجصص، فيجعل عليه جص، وهو مثل الإسمنت، وهو يتخذ من بعض أجزاء الأرض، ثم يحرق حتى يتماسك فلا يأخذه الماء، فهو كالإسمنت في هذا الزمان، فلا يجصص القبر ولا يسمّت، وإنما يوضع عليه ترابه فقط، وإن وضع عليه شيء من الحصى أو ما إلى ذلك حتى يمنع من تطاير التراب مع الهواء فيندرس القبر ويختفي، فلا بأس بذلك.
قوله: (وأن يقصص ويبنى عليه) أي: أن القعود فيه امتهان، والتجصيص والبنيان فيها تعظيم وغلو، وقد نُهي عن الإفراط والتفريط، عن الغلو والجفاء، فكل من الغلو والجفاء ممنوعان، فلا يمتهن الأموات بحيث يداس ويجلس على قبورهم، ولا يغلو الناس فيهم بأن يكون هناك بنيان وتعظيم يترتب عليه محاذير ومفاسد.