قال المصنف رحمه الله تعالى [باب الدعاء للميت.
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)].
قوله: [باب الدعاء للميت]، أي: في الصلاة، ومعلوم أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت والشفاعة له، فهذا هو المقصود منها، وما قبل ذلك من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بمثابة التمهيد؛ لأن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا في قصة ذلك الرجل الذي سأل في صلاته ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا)، فدل هذا على أن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة الفاتحة هي حمد لله وثناء عليه وتمجيد له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يأتي بالمقصود من الصلاة على الجنازة وهو الدعاء، إذاً فصلاة الجنازة إنما شُرعت للدعاء، وما سوى الدعاء مما يكون قبل ذلك إنما هو تمهيد؛ لأنه من أسباب قبول الدعاء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) أي: اجتهدوا في الدعاء من قلوب مخلصة، فهذا هو المقصود من صلاة الجنازة.
ومعلوم أنه كونه يدعا له وحده فهذا هو الأصل، لكن إذا دُعي للحي بعده كما جاءت به السنة فلا بأس بذلك، وأما أن يقوم الإنسان على الجنازة يدعو لنفسه فلا، بل يدعو للميت، وأما قوله في الدعاء: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) فهذا دعاء للحي، ولكنه يتعلق بالميت، فالذي يبدو أن المقصود منه هو أن الإنسان يجتهد ويقبل على الله، ويهتم بالدعاء، فلا يكون هناك ذهول ولا غفلة؛ حتى يحصل المقصود من الصلاة على الجنازة.