قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدّم.
حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا ابن وهب عن ابن جريج عن يحيى بن صبيح حدثني عمار مولى الحارث بن نوفل: (أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة رضي الله عنهم، فقالوا: هذه السنة)].
قوله: [باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم] إذا حضر جنائز رجال ونساء وأطفال فإنه يقدم الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، وهذا مثلما يكون في صفوف الصلاة، ففي صفوف الصلاة يكون الرجال أولاً، ثم يليهم الأطفال، ثم تليهم النساء.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة أنهم قالوا: إن السنة تقديم الطفل على المرأة، وأن الطفل يلي الإمام، وتكون المرأة من ورائه، وقول الصحابة عن شيء: إنه من السنة، فإنهم يعنون بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع، ومن الصيغ التي لها حكم الرفع أيضاً قول الصحابي: هذا هو السنة، أو هو سنة، فهذا يحمل على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمقصود بالسنة هنا: الطريقة والمنهج، والسنة تطلق على أربعة إطلاقات.
الإطلاق الأول: تطلق ويراد بها الطريقة والمنهج، فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كل ما جاء في الكتاب والسنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وقولهم هنا: (من السنة)، أي: سنة الرسول، وهي منهجه وطريقته، فالمقصود بذلك المعنى العام.
الإطلاق الثاني: تطلق ويراد بها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فتكون مرادفة للحديث، ومنه قول الفقهاء والعلماء عندما يريدون أن يحتجوا بمسألة فيجملون الأدلة ثم يفصلونها، فيقولون: وقد دل على هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فأما الكتاب: فقول الله تعالى كذا، وأما السنة: فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، فالسنة إذا جاءت معطوفة على الكتاب فالمراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإطلاق الثالث: تأتي السنة ويراد بها ما يعتقد موافقاً للسنة، أي: خلافاً للبدعة، فالسنة تقابل البدعة، ومنه الكتب التي ألفت في العقيدة من سلف هذه الأمة، كالسنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة للالكائي، والسنة للطبراني، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي، ولـ أبي داود، وهو كتاب بعنوان: كتاب السنة ضمن السنن، وقد جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالعقيدة، فالسنة هنا تقابل البدعة.
الإطلاق الرابع: تأتي بمعنى المندوب والمستحب، وهذا في اصطلاح الفقهاء، فإنهم إذا قالوا: يسن كذا، فمعناه: أنه من الأمور المستحبة المندوبة، وليس من الأركان ولا من الواجبات، وإذا قالوا: أركان وواجبات وسنن، فإنهم يقصدون بالسنن المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ويطلبها الشارع طلباً غير جازم.
وإذا كانت الجنائز جنائز أطفال ذكور وإناث فالذي يبدو أن الإناث تكون وراءها، فيقدم الذكور على الإناث، ولو كان هناك أطفال إناث ونساء في حال الصلاة فإن الأطفال والإناث يكنّ وراء النساء، فالذين يقدمون على النساء هم الأطفال الذكور، وتكون صفوفهم في الصلاة عليهم كصفوفهم في الصلاة وراء الإمام في صلاة الجماعة.
قوله: [عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها].
هي أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنهما، وهي زوجة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين، وابنها هو زيد، وقد ماتا في وقت واحد، وقدما للصلاة، فقدِّم الابن وجعلت هي وراءه، أي: أن الابن يلي الإمام وأمه تكون وراءه إلى جهة القبلة.