قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صنعة الطعام لأهل الميت.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان حدثني جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمرٌ شغلهم).
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب صنعة الطعام لأهل الميت]، أي: أن أهل الميت قد حصل لهم ما يحزنهم وصارت نفوسهم متأثرة، فليس عندهم انشراح ولا استعداد للطبخ وصنع الطعام، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يصنعوا لهم الطعام، وأن يرسلوه إليهم؛ لأنه قد جاءهم ما يشغلهم عن صنع الطعام، فهذا يدل أن على أقارب الميت سواء كانوا القريبين جداً أو غير ذلك أن يصنعوا لهم طعاماً، وأن يرسلوه إليهم، ويكون ذلك الطعام لهم، وليس المقصود من ذلك أن تكون هناك ضيافة، وأن يجتمع الناس بمناسبة الموت، فيأتي لهم أهل الميت بالطعام أو غيرهم، ويُدعى الناس إليه، ويتجمعون عند أهل الميت من أجل الأكل، كما يُفعل ذلك في هذا الزمان في بعض البلاد من بناء السرادقات، ووضع الأنوار، وجلب أناس يقرءون، ثم يتجمع الفقراء ويُصنع لهم طعام لعدة أيام، فيأكل الناس منه، فيصير الأمر وكأنه مناسبة فرح وسرور، وليس مناسبة حُزن وألم وتأثر بسبب الميت الذي فقدوه، ولهذا فإن مثل ذلك من الأمور المحدثة المبتدعة التي أحدثها الناس، وأما الذي جاءت به السنة فهو أن بعض أقارب أهل الميت يصنعون لهم طعاماً على قدرهم.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر، وفيه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد جاءهم ما يشغلهم)، وجعفر هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد استشهد في غزوة مؤتة، وهو أحد الأمراء الثلاثة الذين قُتلوا في سبيل الله، وهو الذي قُطعت يداه، وأصابته سِهام كثيرة حتى أثرت في جسده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عبد الله بن جعفر: (هنيئاً لأبيك رأيته يطير مع الملائكة)، ويقال له: ذو الجناحين، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري إذا لقي عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين! والمقصود أنه عوّض بجناحين بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيل الله، فكان يطير مع الملائكة كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.